الصين و مستقبل الاقتصاد العالمي

[email protected]

ما زلنا نتحدث عن التغير في موازين القوى الاقتصادية العالمية وأصبحت دول ما يعرف بـ BRIC (البرازيل، روسيا، الهند، والصين) أمثلة للتطور الاقتصادي الذي أصبح يزاحم بشكل كبير الهيمنة الاقتصادية التي كانت القوى الغربية تتزعمها لفترة طويلة من الزمن. ولكن يبدو أن الصين صاحبة النمو الاقتصادي الأعلى في العالم تملك قوس السبق في إثبات الوجود الجغرافي حول العالم.
وكنت قد تحدثت في مقال سابق عن "إفريقيا الصينية" وعن التوجه الصيني إلى الاستثمار في إفريقيا وتحدثنا الفوائد المزدوجة التي يجنيها جميع الأطراف من ذلك التوجه حتى وإن كانت الصين تطبق إلى حد ما المفهوم الاستثماري المعروف في الغرب بـ Aid and Trade ولكن بشكل أكثر شفافية للمتلقين للاستثمار الصيني وهو بذلك قد يفتح الطريق لمجاراة ما وصفة توماس فريدمان عن العولمة الغربية في كتابه the Lexus and the olive tree. ولذلك فإن وجود مطعم صيني في مدينة إفريقية هو ما يضاهي وجود مطاعم مكدونالدز في أواخر القرن الماضي، بمعنى أن وجود مكدونالدز في شتى أقطار العالم كان إشارة للهيمنة الاقتصادية الأمريكية على العالم بينما في المثال الصيني فإن المطاعم الصينية التي توجد في إفريقيا في ظل غياب البنى التحتية في تلك الدول هو ليس لتأكيد الوجود الصيني الاقتصادي في إفريقيا فقط ولكن لخدمة الوجود الصيني البشري على الأراضي الإفريقية. وهنا يكمن الفرق.
إن التوجه الصيني الحالي يذكرني بالتجربة الألمانية قبل الحرب العالمية الثانية عندما كانت ألمانيا تمثل قبلة العالم في بعض الصناعات ولكنها تغيرت بوجود هتلر على رأس الهرم الاقتصادي الألماني في ذلك الوقت. وباختلاف الظروف المحيطة فإن الصين اليوم تمثل الثقل الأكبر على المستوى التجاري العالمي ولا عجب أن نعرف أن الصين تنتج 40 في المائة من الأحذية في العالم على الرغم من أنها تمثل 20 في المائة من التشكيلة السكانية للعالم وهي بذلك تواجه الكثير من التحديات خصوصا من القوى الغربية التي تحاول البقاء في المقدمة الاقتصادية في العالم وهي كذلك اليوم. ولكن مع وجود النمو الصيني غير المرتبط بأجندة سياسية ظاهرة No strings attached فإن ذلك يجعل من القلق الغربي من هذا النمو الموجه أمر لا يقبل الشك على الرغم من أن الاقتصاد الصيني لا يزال بعيدا عن مستوى الاقتصاد الأمريكي على سبيل المثال (يمثل الاقتصاد الأمريكي نحو سبعة أضعاف الاقتصاد الصيني) ولكنه أي الاقتصاد الصيني ينمو بشكل يجعل من مسألة المضاهاة الاقتصادية مسألة وقت.
ولذلك فلا عجب في أن نرى الضغوط الغربية التجارية تجاه الصين تأخذ الطابع السياسي، ابتدأ من مشكلات المنسوجات والأحذية مع الاتحاد الأوروبي إلى الضغوط التي يقودها الكونجرس الأمريكي تجاه الصيني لرفع قيمة عملتها اليوان مقابل الدولار بنسبة 25 في المائة وهو ما لم تفعله الصين.
إن الفارق في الاقتصاد العالمي الحديث هو أن الصين ليست وحيدة أمام الغرب فبقية دول النمو الاقتصادي كالهند وروسيا والبرازيل تجعل من إمكانية السيطرة على الصين أمرا غاية في الصعوبة لأن العولمة الاقتصادية وهي الاختراع الغربي تساعد الصين على الثبات أمام الضغوط الغربية وهو ما يفسره بوضوح الوجود الصيني القوي في إفريقيا وكثير من دول العالم بما فيها أمريكا والاتحاد الأوروبي.
والأهم من وجهة نظري، أن الصراع الغربي الصيني ما زال يصب في مصلحة الصين في ظل ما ذكرنا عن أن التجربة الصينية تختلف كثيرا عن التجربة الأمريكية الأوروبية في التعامل التجاري مع دول العالم المختلفة، فالظاهر أن الصين دولة اقتصادية بحتة لا وجود لأجندة سياسية ظاهرة أو باطنة في تعاملاتها التجارية، ولذلك فإن القيادة السياسية الصينية لا تتحدث عن القضايا السياسية الحساسة في مناطق العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي