المواطن وانتظار الفرج

[email protected]

بالرغم من شدة معاناة غالبية المواطنين، وبالأخص شريحة الطبقة الوسطى الأكبر والأوسع ولكونها أكثر من يدفع ثمن هذه المعاناة لمتطلباتها المعيشية الأكبر بدخل بات غير قادر على تلبيتها، وذلك بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة نتيجة لارتفاع الأسعار بالقدر الكبير الذي لمس على مدى عام كامل ومازال في ارتفاع كل يوم، بالرغم من ذلك إلا أن هناك ارتياحا عاما بأن الفرج لن يطول انتظاره لكون ولاة الأمر وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – بما عرف عنه ولمس منه من عناية واهتمام واضح بالمواطن سوف يتدخلون لتخفيف حدة هذه المعاناة بل وإزالتها، وما يدفع لمثل هذا الارتياح، إضافة لحرص ولاة الأمر المعهود ما توافر لبلادنا بحمد الله من دخل كبير جدا في الأعوام الأخيرة، وخاصة هذا العام نتيجة لأسعار النفط المجزية، وتوافر مثل هذا الدخل الكبير سيمكن الدولة من وضع خطط ناجعة لمعالجة معاناة المواطن من ارتفاع تكلفة المعيشة المقلق والمؤثر سلبا في رفاهية المواطن السعودي، فالجميع يلمس أن هذا الغلاء، وجزء منه غير مبرر، قد حد من قدرة المواطن المعيشية وهو ما لا يتوافق مع صفة مواطن في بلد مثل المملكة بكل ما حباها الله به من خير وفير.
على وقع هذا الارتياح العام الذي يغمر المواطنين سرت أخبار عن وجود نية لدى الدولة لرفع الرواتب بهدف مواجهة موجات الغلاء، ورفع الرواتب هو جزء من الحل وليس كله، فالجميع جرب ذلك في المرة الأولى حين أصدر الملك عبد الله – حفظه الله – مكرمته بزيادة الرواتب 15 في المائة مع بداية عهده، وكيف أن تلك الزيادة تبخرت حين تضاعفت الأسعار وأعادت الأمور إلى المربع الأول، ومن تلك التجربة أعتقد أن زيادة الرواتب لن تكون مفيدة ما لم تعالج قضية الغلاء والمغالاة في الأسعار من جذورها أولا، خصوصا أن هناك تأكيدات من اقتصاديين بأن الجزء الأكبر من ارتفاع الأسعار ليس حقيقيا، ومنها ما ذكره لي أحد التجار المستوردين بأن المنتج الخارجي رفع أسعاره لمجرد أن دخلنا من البترول ارتفع فأراد أن يزيد من مكاسبه على حسابنا، كما لا نبرئ بعضا من التجار المستوردين من التلاعب مع المنتج الخارجي برفع الأسعار من المصدر وباتفاق مسبق والشرط أربعون، والضحية في البداية والنهاية هو المستهلك الذي بات عليه تحمل التكلفة من دخله الثابت المتناقصة قيمته الشرائية بسبب الغلاء الفادح.
نريد من هذا الكلام القول إن تخفيض تكلفة المعيشة يبدأ أساسا من معالجة أسباب الغلاء، وهذا يتم من خلال جزئيتين الأولى مراقبة حقيقة الأسعار ومحاسبة كل من يتلاعب فيها، والثانية دعم السلع الرئيسية إذا ما كان ارتفاع أسعارها نتيجة لنقص في إنتاجها كما يقال عن الأرز مثلا، وضبط الأسعار هو البداية الصحيحة لمعالجة التضخم الذي يعاني منه المواطن، فهذا التضخم المتسبب فيه ارتفاع الأسعار وبعضه كما ذكرنا غير مبرر، قلل من مستوى معيشة المواطن، بل عطل كثيرا من تطلعاته إلى تحسينها حاضرا ومستقبلا، ومن هذه التطلعات الأساسية السكن الذي هو مشكلة مورقة منذ سنوات وضاعفها ارتفاع أسعار مواد البناء، كما حدث مع حديد التسليح الذي قفز سعر الطن منه إلى أكثر من 300 في المائة خلال سنتين فقط، وسعر كيس الأسمنت زاد ضعفا ونصف، وهنا أود أن أشير إلى ما صدر عن وزارة التجارة من تصريح خطير ومر مرور الكرام باتهامها شركات الأسمنت بالتواطؤ فيما بينها لرفع الأسعار دون اتخاذ أي إجراء حيالها..!!؟ وهذه الوزارة هي التي أصدرت قبل مدة تحديدا لسعر الحديد المسلح بأقل مما هو مفروض من قبل مصانعه، إلا أنه ذهب مع الريح، والالتفات إلى هذه الأسعار بالتحديد في غاية الأهمية لمساعدة كثير من المواطنين الذين توقفوا عن الاستمرار في بناء مساكنهم أو ألغوا خطط البناء، فإذا كنا نسعى لتشجيع المواطن لبناء سكن فمن الأولى أن نوفر له أسعارا معقولة تتوافق مع قدراته المالية.
جانب آخر مهم أيضا في هذا الصدد وهو البطالة، فالشاب العاطل عن العمل يضاعف من تكلفة معيشة أسرته لحاجته إلى مصروفات، ومعالجة البطالة جزء مهم من معالجة انخفاض مستوى المعيشة وهذا ممكن، فبلادنا تعج بالمهن التي تديرها أيد أجنبية، مما يمكن شغلها بشبابنا عن طريق إحلالهم فيها بعد التخطيط السليم والتأهيل والتدريب الجدي في سوق العمل، ولست مقتنعا حقيقة بحجج عدم النجاح في إحلال الشباب السعودي في سوق العمل، وهذا ما تناولته في مقال سابق بعنوان "بطالتنا وهمية وحلها سهل".
بالرغم من هذه الصعوبات، فإن هناك استبشارا بالفرج من خلال اهتمام خادم الحرمين الشريفين – وفقه الله – بهذا الشأن, وجاءت بداياته برفع إعانة الأرز وحليب الأطفال، وأن هذا الغلاء الذي يضرب بحدة المواطن في معيشته ويؤثر سلبا في رفاهيته المستحقة له سوف يجد المعالجة قريبا بإذن الله، والمأمول أن تكون معالجة جذرية لا تحد فقط من ارتفاع الأسعار، بل تخفض الأساسي منها ومن ثم ضبط ارتفاعها، بحيث لا تكون وسيلة للجشع والمغالاة غير المبررة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي