واقع التجارة الإلكترونية عربيا ومقومات نجاحها
عندما ظهرت التجارة الإلكترونية في الربع الأخير من القرن الماضي اعتبرت نقلة نوعية في مجال التجارة الدولية وتساءل الكثيرون عن مستقبلها: هل ستُصبح هي المهيمنة على التجارة العالمية في القرن الحادي والعشرين؟
والحقيقة إن الإجابة عن هذا السؤال تتطلب معرفة عوامل نجاح هذا النوع الجديد من التجارة والفوائد التي يُحققها والمعوقات التي تعترض سبيلها، فضلاً عن دراسة الإحصائيات الحقيقة للتجارة الإلكترونية وتحليلها في ضوء المعطيات الدولية التي تحكمها. ذلك أن مختلف دول العالم ومنها الدول العربية، قد دخلت في منافسة غير مسبوقة في هذا المجال للاستفادة من التقنية بأقصى حد مُمكن وتوظيفها لخدمة قضية التنمية الاقتصادية والاجتماعية بها.
ولم يقتصر تطور التجارة الدولية الإلكترونية على الناحية الفنية سواء تناولت الجانب الكمي (من حيث تدفق البضائع من الدول المنتجة إلى المستهلكين )، أو الجانب الكيفي (من حيث استخدام أساليب أكثر سهولة مما مضى في وضع السلعة تحت تصرف المستهلك بأسرع وقت ممكن)، بل يبدو هذا التطور كذلك في الناحية القانونية، حيث استخدمت أساليب قانونية في التجارة الدولية الإلكترونية تختلف عن تلك التي تستخدم في غيرها؛ وشهدت طرق الإثبات القانونية كذلك تطوراً ملحوظاً، فظهرت اتجاهات تنادي بإمكانية قبول المستند الصادر من الكمبيوتر ومن الإنترنت في الإثبات، وعدم الأخذ بالأسلوب التعاقدي التقليدي، فنجاح هذه التجارة ورواجها من الآن فصاعداً يتطلب ضرورة اللجوء إلى أساليب قانونية حديثة بمقتضاها لا يشترط بالضرورة أن يرتبط الطرفان (البائع والمشتري، أو المصدر والمستورد) برابطة تعاقدية يتم إعدادها مسبقاً في شكل معين. وإذا وجدت هذه الرابطة التعاقدية فيجب أن تتحرر كثيراً من القيود الشكلية، استجابة لحاجة التجارة الدولية وما تتطلبه من سرعة في إنجازها وتحقيق الربح من خلال صفقات ضخمة.
ويتطلب نجاح التجارة الإلكترونية وتحقيقها للأهداف والغايات المعقودة عليها وجود بنية أساسية تتمثل في أجهزة الاتصالات والمهارات والكفاءات البشرية الفنية الخاصة من الأشخاص المؤهلين للتعامل في هذا المجال، كما يتطلب، وجود قواعد قانونية تنظم عمليات التجارة الإلكترونية، وتضع الضمانات القانونية التي تكفل حماية المتعاملين عبر السوق الإلكتروني؛ ويتطلب أيضاً وجود أنظمة أمنية وتقنية تضبط عمليات التعامل مع الإنترنت.
ومع ذلك فإن واقع التجارة الإلكترونية على المستوى العربي ما زال يكتنفه العديد من الصعوبات. فلقد أشار تقرير صادر عن المراقب الأوروبي لتقنية المعلومات في أيار (مايو) عام 2007 م إلى أنه من المتوقع أن يصل حجم التجارة الإلكترونية عالمياً إلى 205 تريليون دولار أمريكي في عام 2008 م. وأشار إلى أن اللغة العربية أصبحت تستخدم على شبكة الإنترنت، ولكنها تشكل فقط نسبة 1 في المائة من مجمل اللغات المستخدمة، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 12 في المائة في عام 2008 م. ومن المتوقع أن تحتل الدول العربية الترتيب الرابع عالمياً في عام 2008 م. ويتوقع أن يبلغ إنفاق المستهلكين عبر الإنترنت نحو 200 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2008م. مما يدل على أن التجارة الإلكترونية ستُعيد تشكيل سوق الأعمال على مستوى العالم.
وتوصلت إحدى الدراسات إلى أن الولايات المتحدة ستمثل 59في المائة من حجم التجارة الإليكترونية، بينما تمثل كل من أوروبا وآسيا والمحيط الهادي نحو 20 في المائة. وقالت إنه بينما يتم نحو 95 في المائة من نشاطات التجارة الإليكترونية حالياً عبر الإنترنت، فإنه بحلول عام 2009م سيتم نحو 27 في المائة منها عبر شبكات الإكسترانت (وهي شبكات كومبيوتر تربط الشركة بالمورد أو بشبكة المورد مما يُشكل مُجتمعاً مُعيناً يضم مجموعة محددة من الشركات والموردين).
والحقيقة أنه لا توجد في المنطقة العربية تجارة إلكترونية حسب المعايير العالمية، لأنها مقيدة بحدود معينة، كما أن المواقع التجارية الموجودة حالياً لا تتيح كل السلع والمنتجات في السوق؛ بل إنها تقتصر على بعض أنواع منها فقط، لذا فإنها تشبه دليل موردين أو مرشد للراغبين في الشراء ليس إلا؛ حيث تتيح الفرصة للمستثمرين أو رجال الأعمال لأن يتعرفوا على البضائع المتاحة لدى الموقع؛ ثم يعودون مرة أخرى للتعامل بالطرق التقليدية في البيع والشراء باستخدام الهاتف أو الفاكس أو بالتفاوض المباشر لإتمام الصفقة.
ولهذا فإننا نرى أن نجاح التجارة الإلكترونية في الدول العربية في تحقيق أهدافها يتطلب وجود وسائل دفع آمنة، لأن عدم وجود مثل هذه الوسائل الآمنة يعد من أهم المشاكل والعقبات التي تواجهها، وهذا يتطلب ضرورة التعاون بين الجهات الحكومية و شركات تقنية المعلومات لإيجاد الحلول المناسبة لتلك المشكلات والعقبات. كما نرى أهمية إجراء دراسات الجدوى الاقتصادية ومراعاة الواقعية عند إنشاء مشاريع ومواقع للتجارة الإلكترونية؛ إذ تشير بعض الدراسات المقارنة التي أجريت على التجارة الإلكترونية في الدول العربية إلى أن هناك مبالغة في مشاريع التجارة الإلكترونية، مقارنة بالمشروعات التي يتم إنشاؤها في دول أوروبا؛ حيث إن المفهوم الأوروبي يقتصر على إنشاء موقع واحد يغطي كل أغراض التسويق، ومنها التأمين الإلكتروني، ووسائل الشحن المتاحة، وضمان الجودة للسلع المشتراة، وتوفير عدد من الوسائل لتمويل الصفقة، من خلال عدد من البنوك المتفق معها. كما أن هناك عدداً من المعوقات التي تعترض التجارة الإلكترونية، منها أن الشركات المتوسطة والصغيرة لا تمتلك مواقع وأسواق ضخمة على شبكة الإنترنت، مما يجعلها غير قادرة على المنافسة في السوق مثل الشركات الكبرى. فضلاً عن أن العديد من العملاء في المنطقة العربية لم يصلوا بعد لدرجة الاقتناع باستخدام بطاقات الائتمان في إتمام تعاملاتهم التجارية عبر الإنترنت مثلما يحدث في أمريكا وأوروبا واليابان.