وللتضخم أسباب أخرى
فسر الجميع التضخم الحالي على أساس النظرية التقليدية لتفسير التضخم من خلال التغير في معطيات العرض النقدي داخل الاقتصاد والعوامل الداخلية للعرض والطلب وكذلك التضخم المستورد من ارتفاع معدلات التضخم في الاقتصادات ذات العلاقة بالتغير في أسعار صرف العملات العالمية المختلفة الناتج عن التغيرات الاقتصادية ولعل أهمها حاليا الارتفاع القياسي في أسعار النفط.
واليوم ونحن نعيش فورة الجدل حول التضخم مع وصوله إلى معدلات تاريخية في اقتصاد مستهلك على مستوى السلع والخدمات وآحادي التصدير فإنه لا يمكن الجزم بسياسة واحدة يكون لها الحل السحري في معالجة التضخم، ولذلك فإن الحديث عن حل وحيد لمشكلة التضخم هو حديث ناقص. ويخطئ من يعتقد أن فك الارتباط بالدولار يعني الخلاص الدائم من مشكلات التضخم التي يعانيها الاقتصاد السعودي حتى وإن كان له تأثير كبير في التضخم. وحتى عندما قامت الحكومة بحزمة من الإجراءات بهدف محاصرة التضخم في أضيق حدوده فإن ذلك يظل محل تساؤل البعض على أساس أن معالجة التضخم يجب أن تأتي بناء على تحديد أسبابه وليس على أساس الحلول نفسها لجميع المشكلات، ومع اتفاقي مع الحلول التي طرحتها الحكومة في 28 كانون الثاني (يناير) الماضي والمؤلفة من 17 إجراء لتخفيف آثار ارتفاع الأسعار في سبيل سعيها للسيطرة على نمو معدلات التضخم في السوق المحلية إلا إن هناك قضايا لها علاقة بالتضخم يجب أخذها في الحسبان عند الحديث عن بيئة اقتصادية تنافسية.
و من وجهة نظري, فإن التضخم في المملكة يرتبط بشكل آخر بعوامل أخرى غير مباشرة على مستوى كبير من الأهمية، أولها على مستوى إجراءات أداء الأعمال في المملكة والتي تؤثر في تكلفة الاستثمار وبالتالي فإن هذه الزيادة في تكلفة الاستثمار تنعكس على تكلفة الإنتاج لتنتهي بالسعر النهائي للمنتجات وهو ما ينعكس على تكلفة إنتاج القطاع الخاص سواء على مستوى ارتفاع تكلفة بعض الرسوم ذات العلاقة المباشرة بقطاع الأعمال وارتفاع تكاليف الاستقدام من ناحية الرواتب في ظل منافسة بعض الدول المجاورة، والعاملون في قطاع الأعمال يدركون حقيقة هذه المنافسة. كذلك فإن البيروقراطية وطول الدورات المستندية للمعاملات الحكومية هو عبء آخر يزيد من تكلفة الإنتاج والحديث نفسه ينطبق على الفساد الإداري بجميع أنواعه ومستوياته التي تزيد من تكلفة إنهاء المعاملات ومن ثم تكلفة الإنتاج وتزيد تكلفة المنافسة داخل الاقتصاد والتي تنعكس على السعر النهائي للمنتجات والخدمات التي يقدمها القطاع الخاص. ولذلك فإن ارتفاع الإنتاجية والكفاءة في القطاع الحكومي وكذلك ارتفاع مستوى النزاهة في الاقتصاد يساعد على التفرغ إلى معالجة الأسباب الحقيقية للتضخم.
والعامل الثاني المكمل هو معالجة النقاط السلبية كما ذكرناه سابقاً، على مستوى الكفاءة والإنتاجية في القطاعات الحكومية، وهذا يأتي عن طريق معالجة الخلل الإداري في القطاعات الحكومية ورفع مستوى الإنتاجية عن طريق تأهل الكوادر البشرية المناسبة من ناحية الكم والكيف. فنحن على يقين أن مراقبة الأسواق والأسعار والتجار يحتاج إلى جيش من الكوادر المؤهلة التي تستطيع على الأقل تحديد الارتفاعات في الصناعات المختلفة في وقت يساعد على اتخاذ إجراءات مضادة لكبح جماحها، خصوصا ونحن نرى اختراقات كثيرة لأبسط معايير المنافسة داخل الاقتصاد. وهذه الجزئية تم طرحها ضمن خطة مكافحة التضخم التي أعلنتها الحكومة على ضرورة اتخاذ خطوات للتشجيع على المزيد من المنافسة ولكن يبدوا أننا ما زلنا نشهد اختراقات صارخة لأبسط معاني المنافسة الكاملة من خلال عمليات احتكار قلة تسهم في زيادة معدلات التضخم.
هناك الكثير من القضايا الأخرى التي لا يتسع المجال للتوسع في ربطها بالتضخم ولكني أجدها ذات ارتباط غير مباشر بالعملية الاقتصادية ومنها على سبيل المثال تشجيع مؤسسات حماية المستهلك واتساع قاعدة المنشآت الصغيرة والمتوسطة بما يخدم المنافسة وهيكلة القطاعات الحكومية وتسريع التخصيص والتطوير, إضافة إلى تطبيقات التنافسية الاقتصادية بشكلها المتكامل.