أطباء بلا كفيل

[email protected]

اللقاء مع أحد مدعيي الطب لا يخلو من متعة ومن طرافة ، ولاسيما إذا ما كان هذا الطبيب ممن يستطيعون أن يحدوا العلة الداخلية دون الحاجة إلى مناظير أو أشعة ، فقط عبر اللمس وأحياناً التركيز بالمشاهدة على بعض أجزاء الجسم.
التوطئة أعلاه قد يعنى بها كثير منّا، ومن جهتي فقد قادتني المصادفة إلى أن أستمتع بأبطالها عبر صديق متوعك زرته في بيته استشفاء له ، وكان من حسن الحظ أن الطبيب الأمي قد حضر في الموعد نفسه، وفجأة انقلب صاحبي على ظهره وبدأ المدعو بالتحسس والتلمس، ومن ثم قال كلمته الشهيرة " أنت في تعب كثير " ولم يفتأ صاحبي أن انطلق بالحديث الذي عنوانه الأنين والشكوى ، وكأنه أمام محقق من أنصار حزب البعث البائد، طلب أن يمده بكل المعلومات.
بلا شك الطبيب المزيف أدرك ما يشتكي منه صاحبي، من خلال اعترافاته. ثم قام "بتمسيده وتكبيسه" ومن ثم الضغط عليه ، ثم أخرج زيتاً دفعه إليه كعلاج، حدد مواعيده ومن ثم نال المقسوم ورحل!!
من جهتي فقد طفقت أتساءل: أليس هناك أطباء؟ أليست هناك مستشفيات قادرة على كشف العلة؟.. لكن ما آمنت به أكثر أن صاحبي بات من جملة المساكين الغلابة الذين يطلبون الشفاء حتى على أيدي العمّال الدجالين .. والسبب التسرع في طلب هذا الشفاء ، ليكون قد انضم إلى قافلة المنتمين للدجالين الذين من فرط انتمائهم إلى العيادات من "أبو عشرة" الخاصة بالعطارين أو المعالجين بالخنق والبصق، وعليه فقد بات أقرب إلى قائمة المبشرين مستقبلاً بأمراض الكبد والقلب والفشل الكلوي.. وحتى العمى"عافاه الله وكل قارئ لهذه السطور"، ولا تستغربوا من الوصف الأخير فإحداهن قد أعيتها كثرة الدمع حين تستلقي على جنبها ووسط تأكيد الطبيب الحقيقي أن الأمر عادي من جراء زيادة في الإفراز فقط، استنجدت بطبيبة فذة من "أم ريالين " منحتها كحلاً كاد أن يعدم شبكيتها لولا فضل الله ومن ثم فضل مستشفى العيون!
ما علينا نعود إلى أرتال المساكين الذين لا يقرون بالمنهج العلمي في التداوي ،فهم مساكين مغرر بهم ولديهم .. لا بأس إن غرست امرأة "مائة مكوى" في بطن طفل رضيع ، ولا بأس إذا احتوت محال العطارة على بعض ما يسمى أدوية تحتوي على الزرنيخ وكثير من المواد السامة ،والسبب أن الوزارة المسؤولة عن الصحة ليس من مهمتها حمايتهم ، وحتى لا عليها إن أصبحت "كروت" وأرقام "أطباء بلا حدود ولا كفيل " من أولئك الأميين الذين ينتمي كثير منهم إلى عمالة لم تجد عملاً أجدى من ذلك، متداولة ، وعلى عينك يا وزارة الصحة، الأمر سيّان مادام أن الوزارة الموقرة لا يعنيها مثل هذا الأمر .. ولا يعنيها أيضا أن ينتشر أبطال الحجامة وبأدواتهم القذرة في كل مكان، والمعالجون بالسموم وأصحاب القبضات والعصي الصلبة المتخصصين في استخراج الشياطين فقط بـ 50 ريالاً!
ليس من المعقول أن نكون بلداً متطلعاً شغوفاً بالارتقاء يعيش في القرن الحادي والعشرين، وحتى التوعية المفيدة لا نجدها من وزارتنا الموقرة، وحتى لوكانت توعيةً استباقية بالدعوة للتبليغ عن مجموعة "أطباء بلا كفيل"، ناهيك عن محال العلاج بالزرنيخ، وأطباء الحجامة الجائلين.
نتمنى من وزارتنا الموقرة أن تشدد على المنهج العلمي الذي تستخدمه في مستشفياتها ، وتعمل على تعميمه ليكون سلوكاً اجتماعيا ، لكن الله يرحم الحال ، لأنه من المتوقع أن ترمي الوزارة بالمسؤولية على البلدية ، والأخيرة على وزارة العمل ، وفي الأخير لن نجد خصماً نعاتبه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي