الروائيون الجُدد!
سريعاً وعلى عجل، مررتُ بمعرض البحرين الدولي للكتاب، المُقام حالياً على أرض معارض تلك الجزيرة الحالمة، التي تغيّرت شواطئها وتاه كثير من معالمها خلال السنتين الأخيرتين، بفعل دخولها في سباق تنموي محموم مع دول خليجية مجاورة. فحركة البناء والتشييد وعمليات التنمية شاهدة على النمو الاقتصادي الكبير الذي تعيشه جزيرة اللؤلؤ في عهدها الجديد.
قبل أسبوعين أغلق معرض الرياض الدولي للكتاب أبوابه، وكانت هناك عدة عناوين لكتب وروايات سعودية لم تجد لها مكاناً في المعرض، بفعل الرقيب، الذي لم يشأ أن يفسح لها المجال كي تباع هنا. غير أن هذه العناوين، خاصة الروايات التي كتبها سعوديون، شباباً وفتيات، كانت هي سيدة المكان في معرض البحرين، فلقد اصطفت على أرفف العارضين وهي التي حظيت بتحلّق المتحلقين! بل إن عدداً من دور النشر خصصت ركناً للكتب التي لم تكن موجودة في معرض الرياض! وحالما تقف في أي جناح من أجنحة دور النشر اللبنانية، يبادرك البائع بعدد من الروايات السعودية الصادرة حديثاً، قائلاً: هذه لم تفسح في معرض الرياض! وهذا وحده كفيل لكثير من الشباب والفتيات لاقتناء هذه الروايات، التي اقتنيتُ بعضاً منها، وقلبتُ بعضها الآخر. ويبدو أن هذا العام سيشهد طرحاً ونشراً روائياً يفوق ماحدث في العام الفائت، الذي نُشر خلاله نحو 50 رواية سعودية.
ماطُرح من روايات مع مطلع هذا العام هو في الغالب، تكرار واجترار لما طرح من قبل! فالمضامين واحدة، وإن تنوعت الأمكنة والشخوص. فالجنس والحب والخيانة وجلد الذات وتناول رجال الحسبة، هي الموضوعات التي تسمُ كثيراً من تلك الأعمال الشابة، حتى إن قراءة رواية واحدة تغنيك عن قراءة عشر روايات. فهل أصبحت الإثارة هي الشرط الوحيد في كتابة الرواية؟! وما حيلة قارئ الرواية الذي لاتعنيه الإثارة الرخيصة، بقدر ما يعنيه الرصد الدقيق للتحولات الجذرية، التي شهدها مجتمعه، والتغيرات التي طرأت عليه. أضف إلى ذلك أن موضوعات الإثارة هذه ستخبو وتبهت ولن تعد مثيرة مع كثرة تناولها. فمتى نتجاوزها إلى موضوعات أكثر أهمية وقيمة؟
لقد كتبتُ هنا قبل سنوات مقالة بعنوان "مثلوثة الرز وثلاثية الراوي" تناولتُ فيها الإسهاب في الطرح الروائي والاستسهال فيه، حتى أن الحلبة تقاطر عليه كثيرون، فأصبحت الرواية بغلةً يمتطيها كلّ من لابغلة له!
لا أعرف السر الذي يجعلني كلما أنهيتُ قراءة روايةٍ من هذه الروايات الشابة، التي تُطبخ على عجل وبمقادير غير موزونة، أتذكر أعمال الروائي المغربي محمد زفزاف وأترحم عليه؟! هل لأن مدينته كانت حاضرة وبقوة في كثير من أعماله، بأزقتها وزنقاتها وأحيائها الشعبية، أم لأنه أبى إلا أن يعيش في حاراتها القديمة، مع العاملين والكادحين والمهمشين في شارع الروداني، لتأتي أعماله صادقة ومغايرة، احتفاءً بالمعيش اليومي، ليكتب عن الذين يفترشون الأرصفة في زنقات الدار البيضاء ويلتحفون قطع الأوراق بلا مأوى ولا سكن ودونما عمل، ويحتالون على الحياة كي يكسبوا قوت يومهم، ويقدمهم على أنهم مركز الصراع وصانعو التاريخ، فهم الذين بنوا الأهرامات وهم الذين شيدوا برج بيزا في إيطاليا!
فمتى يخرج "الروائيون الجُدد" لدينا من قضايا مطاعم شارع التحلية وصالونات الحب الرومانسي وغرف الخيانة إلى عوالم أكثر نقاءً وصفاءً، وأجدر بالتوثيق والتدوين الروائي؟!