ما بين التأميم واليورو وإيران

[email protected]

أحس جمال عبدالناصر بالظلم والذل من وضع قناة السويس فأعلن تأميم القناة بالقوة و طرد الأجانب منها، فأسر قلوب الجماهير، وكان العدوان الثلاثي على مصر وعُطلت القناة وانقطع مورد سياسي و اقتصادي حيوي كانت تنعم به مصر.
وأدرك الفيصل أن امتيازات أرامكو الأمريكية في البترول السعودي لم تعد عادلة فأممها بشراء حصص الأجنبي منها لتصبح أرامكو سعودية بالكامل وموردا سياسيا و اقتصاديا حيويا ينعم به السعوديون.
واستغلت أمريكا الشابة طمع أوربا العجوز بالذهب وأسلوبها التقليدي القديم في التفكير، فوقعت مع حلفائها الأوربيين معاهدة برتن وود عام 1944م في نيوهامشر واعدة إياهم باستبدال الدولارات بالذهب.
أكل الأوربيون الطعم، وامتلأت خزائن بنوكهم من سندات الدولار الأمريكية التي تدفع الفائدة وتضمن استبدالها بالذهب. وفي عام 1971م أعلن نيكسون نقض المعاهدة والتوقف عن استبدال الورق بالذهب وقيام النظام المالي الدولي الحديث الذي يهيمن فيه الدولار بدلاً من الذهب.
شعر الأوربيون بالظلم و بمرارة القهر الأمريكي فلم يلجئوا إلى الشغب السياسي ضد أمريكا أو إعلان الحرب ضدها أو نعتها بالشيطان الأكبر، بل لفلفت أوربا جراحها و تناست ثاراتها و الدماء التي كانت بينها وتعدى الأوربيون اختلاف ألسنتهم و مذاهبهم فكان الرد والانتقام بإعلان النظام المالي الأوربي عام 1978م استعدادا لعملة أوربية موحدة تثأر لهم من نقض الأمريكان لمعاهدة برتن وود.
و كما استغل الأمريكان تقليدية تفكير أوربا سابقا، يحاول الأوربيون الآن استغلال تقليدية تفكير العالم الثالث و كرههم لسياسات أمريكا بالترويج لطرد الدولار من عرش عملة الاحتياط الدولية لإفساح المجال لهيمنة اليورو.
الحرب المالية الباردة قد قامت منذ عام 1999م بين اليورو والدولار على الهيمنة العالمية للعملة بينما قبع المارد الصيني مؤثرا للسلامة، وراضخاً لهيمنة الدولار، فعض على نواجذه و قدم عرق شعبه و منتجات صناعاته للأمريكيين من أجل بناء اقتصادياته و الخروج من قوقعته مؤجلاً الدخول في هذه الحرب المالية إلى حين.
النظام المالي الحديث لا يمكن أن يضم تحت لواءه أكثر من عملة دولية واحدة فإما أن تنتصر احد العملتين (الدولار أو اليورو) و إما أن ينتفض المارد الصيني فينهار النظام المالي الحديث و تعود العملات إلى عهدها السابق من تمثيل أصول حقيقية لا وعود ثقة ليس لها وجود حقيقي في أرض الواقع أو أن يخرج إلى العالم نظام مالي جديد غير مسبوق من قبل.
و استعدادا للمستقبل وما قد يحمل من مفاجئات، قررت بعض دول الخليج التكتل لإعلان عملة موحدة من أجل بيع النفط الخليجي بها مستقبلا، و لتأخذ دورا رياديا قائدا لا تابعا، ولتكوين نظام مرن يتأقلم مع ما يمكن أن يستجد من مستجدات.
و أما إيران فيا ويح إيران، فقد أثرت سياسة عبد الناصر فلجأت إلى الشغب السياسي و الخطب الثورية الرنانة، فأفقرت شعبها و وضعت نفسها والمنطقة تحت خطر العدوان. كما استخفت بعقول شعبها وبعقول شريحة لا بأس بها في العالم الإسلامي بإعلانها الخروج عن تبعية الدولار إلى تبعية اليورو مستبدلة بذلك السيد الأمريكي بالسيد الأوربي .
العالم الإسلامي يتمتع بنفس خصائص القارة الأوربية من حيث ملائمته للوحدة النقدية، ويمتاز عنها بأمرين رئيسين: أولهما اقتصادي وهو توفر الموارد الطبيعية، وثانيهما تاريخي وهو توحده من قبل تحت راية واحدة وعدم وجود ثارات ودماء بين شعوب العالم الإسلامي كما هي الحال بين شعوب أوربا التي هصرتها الحروب فيما بينها لعشرات القرون.
إن إيران هي الامتداد الطبيعي و الاقتصادي لحلم العملة الخليجية الموحدة والذي سيفتح الباب للدول الإسلامية الأخرى.
إيران ليست بأقوى من أوربا ولا من الصين، وقد جرب العالم الإسلامي سياسات الفيصل وسياسات عبد الناصروقد اتضحت عواقب ونتائج كلا السياستين، فهل تعي إيران ذلك وتتوقف عن الشغب السياسي و تقطع الطريق على أعدائها بإنهاء خلافاتها مع دول الخليج وتثبت حسن نواياها ؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي