الاقتصادات الناشئة في المنطقة الحساسة

الأمور لم تعد سهلة فيما يرتبط بالنمو المأمول في البلدان الناشئة. المصاعب باتت أكبر مما كانت عليه سابقاً، والفترة الذهبية التي مرت بها اقتصادات هذه الدول، صارت من الماضي، ولا سيما في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في 2008. فقد تلاش زخم الحراك الاقتصادية متأثراً بهذه الأزمة، كما أن عوامل جديدة دخلت على الساحة العالمية، تجعل المحافظة على نمو مقبول للاقتصادات الناشئة صعباً، وتفرض على المشرعين فيها، التحرك في إطار جديد، يأخذ في الحسبان ما تم تحقيقه بالفعل سابقاً، لكن مع معالجة المعوقات المتزايدة، خصوصاً مع اضمحلال الأهداف السامية التي تم وضعها أواخر القرن الماضي، لإحداث التغييرات اللازمة قي البلدان النامية وتلك التي توصف بالأشد فقراً.

مرت الاقتصادات الناشئة مطلع القرن الحالي بفترة مزدهرة، انعكست على شكل معدلات نمو عالية، أسهمت بالضرورة في معالجة عدد من المشاكل المزمنة فيها، بما في ذلك المصاعب الاجتماعية والتنموية المتأصلة. إلا أن الصورة تغيرت، وكان لزاماً على هذه الدول التي تعاني مستويات فقر رهيبة، أن تغير اتجاه البوصلة. وفق البنك الدولي، فإن آفاق النمو طويل الأجل في الاقتصادات النامية تبلغ حالياً أضعف مستوياتها، وتحديداً منذ بداية القرن الحالي. هذا الأمر يفرز مشكلة ضخمة، هي أن 6 بلدان فقط من أصل 26 بلداً منخفض الدخل، ستصل إلى مستويات الدول متوسطة الدخل بحلول العام 2050. فرغم النجاحات التي حققتها مشاريع الإنماء الدولية أواخر القرن الماضي، سيظل وسط الحالة الاقتصادية الراهنة، أكثر من 622 مليون شخص في محيط الفقر المدقع.

هذا يعني أن الآمال التي كانت موجودة على الساحة الدولية، بارتقاء عدد متزايد من البلدان الناشئة إلى مستويات قريبة من الاقتصادات الأكثر ثراء.. هذه الآمال تبددت، وصار الحفاظ على ما موجود يمثل بحد ذاته "نصراً اقتصادياً" في هذا البلد أو ذاك. ولا شك في أن تراجع حجم الاستثمارات في البلدان المشار إليها يعد من العوامل الرئيسية لتراجع النمو المأمول، إلى جانب عوامل أخرى، مثل تزايد حدة التوترات الجيوسياسية والحروب التجارية، والمخاطر الآتية من جهة المناخ، التي بات تمثل تحدياً مستدام على الساحة العالمية ككل. باستثناء الهند والصين، تراجع النمو في الدول النامية بمعدل نقطة كاملة بين العقدين الأول والثاني. دون أن ننسى، أن هذه الاقتصادات تمثل حالياً ما يصل إلى 50 % من إجمالي الناتج المحلي العالمي. ما يجعل تأثيراتها قوية سلباً أم إيجاباً في الاقتصاد الدولي.

يمثل تراجع الاستثمارات في هذه الدول، هماً اقتصادياً. فقد تراجعت بمعدل 50 % تقريباً هذا العقد عما كانت عليه في العقد الأول من القرن الحالي. أسفر ذلك عن مزيد من الضغوط المحلية، إضافة إلى الضغوط الأخرى من جهة ارتفاع ديون البلدان الناشئة عموماً، حتى بلغت بعضها حد العجز عن السداد. ولا شك في أن القيود التجارية العالمية أسهمت أيضاً في رفع حدة المصاعب، وكذلك الحمائية التي صبغت الفترة الماضية. ومع وجود إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في البيت الأبيض الآن، فإن هذه المسألة لا يمكن أن تحل قريباً، وسط سياسته المتشددة في هذا المجال.

ستبقى البلدان النامية في أوضاع غير مستقرة طوال الربع الثاني من القرن الحالي، وليس هناك حلول جاهزة لنقلها إلى مستوى الاقتصادات المتوسطة، وليس أمامها سوى الحصول على ما تستطيع من تسهيلات من الاقتصادات المتقدمة، لا تحفز النمو فيها فحسب، بل ترفع مستواه، بما يحل جوانب من المشكلات المحلية الكبيرة فيها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي