زيادة الرواتب، الخطأ و الصواب (2-2)
في الجزء الأول من المقال تطرقت إلى مناقشة أثر زيادة رواتب موظفي الدولة على التضخم من ناحية العرض وأنه لا أثر لها على زيادة التضخم. وبما أن انخفاض القيمة الشرائية للريال يحقق دخلا أضافيا للدولة من ناحية الأجور ولم يكن للدولة سبب فيه أو نية، بل جاء تبعا لانخفاض الدولار، فزيادة رواتب موظفيها إذاً يحقق عدالة اقتصادية و ذلك ما ترجوه الدولة، لأنه إرجاع القوة الشرائية للدخول إلى ما كانت عليه و ليست زيادة حقيقية.
واعتقد بأن التأطير المناسب لتحليل نتائج رفع زيادة الرواتب هو أن يُنظر إلى ارتفاع الكلفة على التجار كضريبة و زيادة الرواتب كمعونة. و المسوغات لهذا التنظير هو أن ارتفاع أسعار النفط أدى إلى تضخم عالمي مما أدى إلى ارتفاع كلفة الإنتاج، كما أن تدهور قيمة الدولار أدى إلى انخفاض القيمة الشرائية للريال، و كلاهما أي ارتفاع أسعار النفط و انخفاض قيمة الريال قد أديا إلى زيادة دخل الدولة.
فمن أجل التحليل الاقتصادي و فهم الموقف فلننظر لهذا كأنها ضريبة زادت من دخل الدولة كما أدت إلى ارتفاع الكلفة مما أدى إلى رفع الأسعار وخفض الكمية المستهلكة. إذن فسبب الغلاء هو زيادة الكلفة على التاجر الذي رحلها بدوره على المستهلك.
وأما من ناحية الطلب، فلننظر إلى رفع الرواتب كمعونة من الدولة لموظفيها مقابل الضريبة مما سيؤدي إلى ارتفاع الدخل ومن ثم أعادة التوازن بالنسبة إلى الكمية المستهلكة. فزيادة الرواتب إذن لن ترفع الطلب عما كان عليه سابقا بل تعيده إلى مستواه السابق. والأسعار لن ترتفع أكثر مما ارتفعت من قبل زيادة الدخل بافتراض سوق تنافسية ومرونة أقل للعرض (أو بزيادة بسيطة إدا لم يُتفق معي على هذا الافتراض الأخير). و على أية حال فأن ثبات الكمية المستهلكة على ما هي عليه هو ما تريده الدولة من المحافظة على المستوى المعيشي الذي كان عليه المواطن السعودي وتحقيق مكاسب سياسية و اجتماعية و ليس فرض سياسية تقشفية في الوقت الحاضر من غير حاجة لها. إذن فرفع الرواتب " المعونة" هو تحويل لبعض ريع الضريبة تجاه الموظف الحكومي.
و أود هنا أن أفصل قليلا في جانب الطلب. فإن تعميم القول بأن زيادة الدخول ترفع مستوى الطلب عموما و من ثم ارتفاع الأسعار هو تعميم غير صحيح إلا في نقطة واحدة إذا كان يقصد بهذا رفع المستوى المعيشي العام. فنوعية الاستهلاك و جودته للفرد في الدول الفقيرة ليست كنظيره في الدول الغنية.
إن زيادة الرواتب هنا ستتجه في معظمها إلى سوق تنافسية لا مجال لرفع الأسعار فيها. و الارتفاع اذا حصل فمدته ستكون قصيرة جدا و ممن الممكن مراقبته من قبل وزارة التجارة . وأما السوق الغير تنافسية تماما فهذه تكون عادة من السلع التي تتسم بالترف و لن تتجه إليها زيادة الرواتب فلن يكون هناك مدخلا لزيادة للأسعار فيها.هناك زيادة مؤقتة قد تحدث لسوق الأسهم و طويلة الأمد لسوق العقار و هذا بحث أخر لعله يكون في المقال القادم، و لكن الشاهد هنا أن هذا ليس ذنب الموظف بل جريرة آخرين يُراد تحميلها على الموظف الحكومي. تماما كمن استغل قضية انخفاض المستوى المعيشي للموظف فطالب برفع سعر صرف الريال مقابل الدولار ليمتص كل فائض الدولة المالي و يصبه في مصلحة مجموعات معينة معظمها ليس بحاجة إليه والتفصيل يأتي لاحقا.