تدهور الدولار هندسة قرينسبان الأخيرة

[email protected]

الدكتورقرينسبان، رمز واسطورة الاقتصاد المعاصروالذي رأس أعظم مؤسسة اقتصادية في العالم ( البنك المركزي الأمريكي) لأطول مدة في تاريخ الولايات المتحدة، يعتبرالمؤسس الثاني لهيمنة الدولار بعد مؤسسه الأول الاقتصادي الكبير كينيزعام 1944م.
في أواخر الستينات شن قرينسبان، هجوما عنيفا على سياسة أمريكا الاقتصادية الرامية الى فك الأرتباط بالذهب. أدرك الهنقاري اليهودي الأصل، قرين سبان‘ اللعبة واصفا إياها بأنها حيلة خبيثة لأكل أموال الناس بالباطل وذلك في مقاله المشهورعام 1967م "الذهب وحرية الاقتصاد
"Gold and Economic freedom “ حيث قال "القانون المالي للدولة يتطلب بأن لا يكون هناك طريقة لملاك الثروة بأن يحموا أنفسهم.إن هناك سراً ضبابيا للشتائم الموجهة ضد الذهب. هم يريدون الإنفاق على العجز الحكومي بخطط بسيطة عن طريق مصادرة الثروة. الذهب وحده يقف في طريق هذه العملية الماكرة، يقف كمحامي لحقوق الملكية. فإذا الشخص أدرك وفهم ذلك لم تعد هناك صعوبة في فهم الخصومة نحو الربط بالذهب" انتهى.
كانت نظرة قرينسبان آنذاك محلية، فدافع عن أموال المقرضين وثروات الاغنياء من قومه خوفا عليها من فقدان قيمتها الشرائية بسبب التضخم الحتمي الذي سينتج عن فك الارتباط بالذهب.
وفي صيف 1987م أعتلى ابن الستين خريفا اعلى قمة أقتصادية في العالم. حينذاك كان قريسنسبان قد أدرك تماما و فهم جيدا نتائج فك ربط الدولار بالذهب. لم تكن حيلة ماكرة، كما وصفها من قبل، للأستيلاء على الأرباح التي ادخرها الأعضاء المنتجين في المجتمع الأمريكي بل كانت حيلة خبيثة قذرة للأستيلاء على ثروات الشعوب دون قتال ولا عناء. والأمر جد مختلف عند الهنقاري اليهودي الأصل.
سخر قرينسبان النظام المالي الحديث لخدمة تثبيت و تأصيل هيمنة الدولار عالميا تحت شعار الدولار القوي(The sound dollar) وأصبح بحق المؤسس الثاني لهيمنة الدولار العالمية.
وجاءت أزمة الحادي عشر من سبتمبر، فكانت وقفة قرينسبان المشهودة الداعمة لبوش الأبن. استخدم الاقتصادي الهرم المخضرم ( عاصرهيمنة الذهب وهيمنة الدولار) كل خبراته و قدراته الاقتصادية المدعومة بمواهبه و فطرته التي ولدت معه، لهندسة سعرصرف الدولار وذلك من أجل تغطية تكاليف حرب العراق و أفغانستان و لتغطية عجز الإنفاق الحكومي بسبب التخفيض الهائل للضرائب و الذي يشكل المورد المالي الأساسي لخرينة الحكومة الفدرالية.
هندسة تخفيض سعر الدولار بدأها قرينسبان بعد ضربة سبتمبر2001م لأمتصاص ثروات الشعوب. هذه الهندسة تمثلت بضخ كميات هائلة من الدولارات زائدة عن حاجة الطلب في السوق المالية الدولية( سواءا عن طريق أصداراهاً من البنك المركزي لسد العجز الحكومي او توليدها عن طريق البنوك التجارية بتخفيض سعر الفائدة) محققا بذلك هدفا رئيسا عاما: وهو جعل الشعوب تدفع ثمن الحرب و الضربية بتدهور قيمة احتياطياتها من الدولار. و تجلى إبداعه الهندسي لهندسة سعر الصرف بسله لقومه من تأثيرات انهيار قيمة الدولار كما تسل الشعرة من العجين. بل أبعد من ذلك، فقد جعل من الانهيار لقيمة الدولار أخر أعماله الجليلة التي خدم بها بلاده. فالشعب الأمريكي ينعم بتضخم طبيعي كما منع دخول الاقتصاد الأمريكي في كساد متوقع منذ عام 2001م. و لاتقف حدود الأبداع الهندسي لسعر الصرف هنا بل تتعداها لتشمل تخصيص دفع ثمن انهيار الدولار على الشعوب التي تتعامل مع بلاد اليورو ملقنا درسا للتجار في الولاء للدولارو خانقا لاقتصاديات بلاد اليورو. ومع هندسة انهيار قيمة الدولارشدد قرينسبان أغلال حصار الدولار على الشعوب وخاصة الصبن واليابان و ذلك بدفعهم لشراء المزيد من ترليونات الدولارات من أجل الحفاظ على تنافسية عملاتهم. وأما ارتفاع اسعارالمواد الأولية و على رأسها النفط فجميعها تسعر وتباع بالدولاروتعود لتصب في الاقتصاد الأمريكي بطريقة أو بأخرى ( البترودولار). هذه هي بعض إنجازات قرينسبان الأخيرة التي ختم بها اسطورته الاقتصادية. قرينسبان خدم بلاده فماذا عنا نحن هنا.
نحن لانريد استبدال أمريكي هنجاري يهودي الأصل بأوربي صليبي متعجرف. لانريد استبدال التبعية لهيمنة الدولار بالتبعية لهيمنة اليورو كما فعلت إيران.
أعجزت أمتنا أن تلد قرينسبان عربي مسلم؟ لا أعتقد أنها عجِزت أن تلده و لكنها عجٍزت أن تُمكِنه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي