من عادل إمام إلى محمد عبده

[email protected]

عادل إمام، هو ذلك الفنان الكوميدي، الذي اتخذ على نفسه عهداً، منذ أربعين عاماً، بأن يُضحك الناس ويسعدهم، وهو نهج يُشكر عليه الفنان الشهير. غير أن ما حدث في الفترة الأخيرة يخالف النهج الذي ارتضاه لنفسه. ذلك أنه أصبح يُزجّ به في حوارات فضائية ذات صبغة فكرية وثقافية. وفي كل مرة، يثبت عادل فشله الذريع في مواضيع الفكر والثقافة والدين! ولا لوم عليه ولا تثريب، فهو فنان كوميدي أمضى عمره في الضحك والإسفاف والابتذال، ولم يأخذ أمراً من أمور الثقافة والفكر والسياسة مأخذاً جدياً، حتى يتم استطلاع رأيه ورؤيته في مواضيعها! غير أن اللوم يقع على الذين قدموه مفكراً ومثقفاً ومنظراً في قضايا، هي أكبر من قضايا مسرحه، الذي يرقص عليه طرباً وانتشاءً.
من ذلك مثلاً، الحوار الذي أجرته قناة "الحياة" قبل شهر تقريباً مع الفنان الكوميدي الشهير، وقد قدمته القناة باعتباره مثقفاً ومفكّراً ومحلّلاً للأوضاع السياسية والاقتصادية في وطنه! ففي الحوار عاب عادل إمام على الدعاة الجُدد إشغال الناس بعذاب القبر والثعبان الأقرع! واستنكر ما أسماه بفوضى فتاوى الفضائيات! ووضع يده على صدره قلقاً، وهو يتحدث عن مستقبل مصر، السياسي والاقتصادي، خوفاً عليه ومنه! كأنما حاضرها يشفي القلب العليل! على حد تعبير الكاتب الشهير سليم عزوز، في تعليقه على كلام عادل إمام.
هذا هو عادل إمام، المثقف والمفكر والمحلّل لأوضاع أمته. وما حدث معه حدث مع المطرب الشهير محمد عبده في حوارات فضائية، قُدّم من خلالها على أنه المثقف والمفكر والعالم الخبير بشؤون الحلال والحرام. فقال كلاماً كثيراً أثبت فشله، وأكّد – أيما تأكيد - على أنه مطرب فقط، لا يجوز الخروج به خارج دائرة المطربين! وبعد أن قال كلاماً، هو أكبر من استحقاقه، حاول أن يعتذر ويتراجع عما قاله! لكنه زاد الطين بلّة! وأثبت للمرة الألف، أنه مطربٌ وكفى! وأن إنجازه الذي حققه- رغم عبقريته التي لا جدال عليها في الأداء- هو إجادته وإتقانه المبهر للهجة النجدية! حتى إنك إذا سمعت بعض أغانيه، كأغنية "قلبي اللي لواه من الصواديف لاوي" ! يُخيّل إليك أن محمداً من مواليد دخنة أو أُشيقر! ولو علم محمد عبده أنّ ثمة أغنية باللهجة القصيمية الخالصة، من شأنها أن تحدث دوياً وانتشاراً، لما تردّد في أدائها، بعد أن ينتظم في دروس لتعلم اللهجة القصيمية ومفرداتها الشهيرة، التي سترد في الأغنية، كـ "بوه" و "عطن"! وأجزم أن محمداً لن يفشل في أداء الأغنية، بل سيتفوق في الأداء على أي مطربٍ قصيمي يتحداه، وهذا هو سر تميّز وإبداع محمد عبده، الذي أثبت أنه مطرب الوطن أجمع. لذلك كان حضوره وتوهجه وجماهيريته، التي تجاوزت إلى سواحل الخليج وأقطار عربية أخرى. وكلّ ما ظهر فنان جديد في الأفق، خُيّل للناس أن نجم محمد عبده سيخبو! لكنه يزداد توهجاً ولمعاناً، وقد ظل طيلة عقود، ولا يزال، متربعاً على عرش الغناء السعودي.
في هذا المنجز، وحول هذا الإبداع، يمكن أن يُستضاف محمد عبده ويحاوَر، ليقول رأيه عن زملائه المطربين وعن آفاق الفن السعودي وتحدياته، وعن تاريخه، كونه شاهداً على مسيرته. وقوله فيه هو الفصل! أما أن يتحدث عن أغاني الفضيلة وجماعات الجهاد والتبليغ والدعوة إلى الله بالأغاني، وفق "طريقة إسلامية" وإعطاء نُسب مئوية للأغاني لمعرفة مدى حرمتها أو إباحتها، والحديث عن الحداثة الأدبية، وغيرها من الموضوعات، فهي أحاديث أكبر من أن يتناولها محمد عبده. ويكفينا، فقط، أن نقدّم محمد عبده مطرباً عبقرياً فذاً، قاد الأغنية السعودية إلى آفاق واسعة ورحبة، وقدّم الفن السعودي الأصيل إلى كل العرب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي