نحن والعالم في غسيل الأموال
عقد الأسبوع الماضي في معهد الإدارة العامة ندوة بعنوان (غسل الأموال: الواقع والتحديات)، وتهدف الندوة إلى تسليط الضوء على ظاهرة غسل الأموال من خلال التعريف بمفهوم غسل الأموال، ومصادره، وأساليبه، وآثاره، وكذلك التعرف على الطرق والأساليب التقليدية والحديثة في غسل الأموال، وإلقاء الضوء على جهود المملكة التشريعية والقضائية والأمنية والرقابية المحلية والإقليمية والدولية في مكافحة ظاهرة غسل الأموال، إضافة إلى التعرف على تجارب دولية ناجحة في مكافحة غسل الأموال.
وتأتي هذه الندوة في ظل انتشار مصطلح غسيل الأموال The Money Laundering في الأوساط الاقتصادية وحتى الاجتماعية، وبرز هذا الطرح بشكل أكبر في ظل ما تشهده الأسواق المالية من كميات تداول عالية وسيولة كبيرة جعلت من غسيل الأموال تعود إلى دائرة الضوء مرة أخرى، وهنا تأتي الحاجة إلى تسليط الضوء على أهمية قضية غسل الأموال وعلى آليات عملها، وكذلك آثارها في المجتمع والاقتصاد، وهو ما حاولت الندوة إلقاء الضوء عليه.
ونتيجة لتلك التغيرات الاقتصادية على الساحة العالمية، فقد تم تأسيس منظمة عالمية تعنى بعمليات غسل الأموال والجرائم المتعلقة بها، وهي اللجنة الدولية لمكافحة عمليات غسل الأموالThe Financial Action Task Force FATF في باريس عام 1989؛ وذلك التوافق مع الاتجاه العالمي للحد من عمليات غسل الأموال للتطوير والمساعدة على أخذ موقف دولي موحّد من عمليات غسل الأموال، واستنادا إلى تقارير تلك اللجنة، فإن ما يتم غسله من الأموال المحصلة من مختلف أنواع الأنشطة والأعمال غير القانونية حول العالم، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن مجمل مبالغ الأموال التي يتم غسلها على الصعيد العالمي يراوح بين 1.3 تريليون و3.2 تريليون دولار سنويا، وهذا بلا شك رقم كبير يستدعي أن يكون هناك جهد عالمي للتصدي له.
ولعل من أهم ما آثار انتباهي خلال الندوة هو ما أكده رئيس وحدة التحريات والاتصال الدولي في وزارة الداخلية عن أن شعبة التحريات المالية في الوزارة تلقت 1120 بلاغا عن غسل أموال خلال السنوات الثلاث الماضية, ومن وجهة نظري أن هذا الرقم من البلاغات يعد قليلا جدا إذا ما قورن بحجم السيولة النقدية المتداولة في الاقتصاد خلال السنوات الثلاث الماضية، ولهذا الرقم قراءتان فقط، إحداهما أن هناك قوانين صارمة تجاه غسل الأموال في المملكة تجعل من الصعوبة القيام بعمليات غسل الأموال، وبذلك فإن العمليات تكون قليلة، لأن هناك مخاطرة عالية قد يأخذها غاسلو الأموال بالدخول في السوق السعودية، والقراءة الثانية أن هناك قوانين ومراقبة ضعيفة تجعل من الكشف عن تلك العمليات أمرا يصعب التسليم به، وبذلك فإن قلة عدد البلاغات مؤشر على ضعف قوانين المراقبة. وهنا لا يوجد لدي ترجيح لأي من التفسيرين السابقين!
ومع إيماني بخطر الآثار السلبية التي تسببها عملية غسل الأموال في المجتمع من ناحية التشجيع على انتشار الجريمة والفساد الإداري، والابتعاد السلبي عن القانون وقتل روح المبادرة لدى أفراد المجتمع، والتشجيع على إشاعة جميع الأمور المتعلقة بالأعمال الإجرامية التي تحتاج إلى عمليات غسل الأموال. ولا شك أن هذه العوامل تؤثر في الاستقرار الأمني والاجتماعي بشكل يؤثر في الاقتصاد. إلا أن آثارها الوخيمة في الاقتصاد تحتاج إلى مجلدات من التحليل، ولكن في هذا الطرح سأختصرها على شكل نقاط رئيسية، حيث إن كثرة عمليات غسل الأموال تتسبب في خلق الاقتصاد الخفي أو الاقتصادات السوداء أو اقتصادات الظل. وهي ما يعني إنتاج اقتصاد وعرضا للنقود وهميا لا يعكس حقيقة الاقتصاد، ما يقود إلى تضخم في الأسعار وهشاشة في النمو الاقتصادي، يهددان بانهيار الاقتصاد متى ما تم الانتهاء من تلك العمليات.