بورصة "نيويورك يورونيكست" ترخي عقالها في الخليج!

[email protected]

تم الإعلان يوم الثلاثاء 24/6/2008 عن استحواذ بورصة نيويورك يورونيكست على حصة تبلغ ربع سوق الدوحة للأوراق المالية في خطوة استراتيجية تعيد الذكريات إلى مناطحة بورصة دبي مع ناسداك الأمريكية للاستحواذ على بورصة أو إم إكس النرويجية ونهاية المنافسة إلى صفقة تزاوج تضمنت تملك ثاني أكبر بورصة أمريكية وهي "ناسداك" لنحو 33 في المائة من بورصة دبي مقابل تملك بورصة دبي لثلث بورصة "ناسداك أو إم إكس" الناتجة عن عملية الاستحواذ في صفقة أدخلت عملاق البورصة الأمريكي "ناسداك" إلى السوق الخليجية وأدخلت المستثمر والبورصات الخليجية في ميدان الشراكات الاستراتيجية مع البورصات العالمية. وفي الأسبوع الأخير من حزيران (يونيو) الماضي، تأتي بورصة نيويورك يورونيكست الأكبر في العالم لتستحوذ على ربع سوق الدوحة للأسواق المالية بصفقة بلغت قيمتها 250 مليون دولار تستحوذ من خلالها البورصة الأمريكية على ربع سوق الدوحة التي تقدر قيمتها تبعاً لذلك بمليار دولار ليدخل أكبر عملاق بورصة في العالم إلى الأسواق الخليجية لاحقاً منافسته بورصة ناسداك أو إم إكس. بداية، فإن تسارع الأحداث الاقتصادية ودخول أكبر بورصتين في العالم إلى السوق الخليجية ضمن مدى زمني متقارب يجب أن يأخذ حيزاً من التحليل والقراءة، فتحركات هكذا واستثمارات استراتيجية لعمالقة البورصات العالمية لا تتم اعتباطاً أو لأسباب غير عملية أو قصيرة المدى، خصوصاً أن فلسفة هذه الأسواق المالية تقوم على تعظيم العوائد لمالكيها على المديين المتوسط والطويل.
بناء على هذه التحركات لأكبر بورصتين في العالم والتي تستهدف الأسواق الخليجية، لا يخالط المتابع شك أن أسواق الخليج واقتصادياتها عموماً تعد عنصر جذب مغر للمستثمر الدولي في الفترة الحالية والمستقبلية، خصوصاً أن الاستثمارات الاستراتيجية بطبيعتها مستقبلية وتضع ثقلاً أكبر للعوائد طويلة المدى التي تتأثر بالحصة السوقية، الأرباح المتوقعة، النمو الاقتصادي للمنطقة المستهدفة بالاستثمار، وغير تلك من المؤثرات المختلفة. فالأدوار الرئيسة التقليدية للبورصات تتمثل في توفير فرص الاستثمار والادخار للأفراد والمؤسسات، توفير التمويل لقطاع الأعمال والقطاع العام، إعادة توزيع الثروة، توفير تقنيات التداول وأدوات التداول المتقدمة، والتأكيد على جودة أساليب الإدارة والشفافية وحوكمة الشركات المدرجة بجانب أهداف أخرى مباشرة وغير مباشرة تطول وحدات الاقتصاد ككل.
وبربط هذه الأدوار التقليدية للبورصات بخبر دخول أكبر بورصتين في العالم إلى أسواق الخليج، فإن الهدف الواضح والمباشر للبورصات الدولية هو السعي إلى الاقتراب من منابع رأس المال والموارد التي بدأت في التراكم خلال السنوات القليلة الماضية والمتوقع لها الاستمرار مستقبلاً جراء ارتفاع أسعار النفط وتوقعات واعدة لمستقبل الغاز الطبيعي بجانب أخذ دول الخليج مكانة تسبق الصين والهند في معدلات نمو الموارد القابلة للاستثمار لدى القطاع العام أولاً والقطاع الخاص ثانياً. ففي الطفرة النفطية الأولى، لم يكن وضع الاقتصاد العالمي مشجعاً للعولمة والتعامل مع السوق العالمية كسوق واحدة في الوقت نفسه الذي لم تكن هناك أسواق مالية خليجية مؤهلة للاندماج في الاقتصاد العالمي، أما الموجودة حينها فكانت لا ترقى إلى المستويات العالمية التي كانت عليها أسواق أخرى في بعض دول شرق آسيا وأوروبا. وعلى العكس من ذلك، هيمنت العولمة وأطروحات التكامل المالي وأخذت في النمو على مشهد الاقتصاد العالمي منذ بداية التسعينيات، وصاحب ذلك تطور ونمو في الأسواق المالية الخليجية تبعها ارتفاع في الفوائض المالية المتأتية من ارتفاع أسعار النفط في السنوات الخمس الماضية. هذه التغيرات في بيئة الاقتصاد العالمية والبيئة التنظيمية للبورصات وهياكل الاقتصادات الخليجية وضعت دول الخليج في شاشة الرادار ومن أوائل المناطق المستهدفة بالاستثمار من قبل المستثمر الدولي.
إذن، فدخول البورصتين الأمريكيتين إلى السوق الخليجية تتناغم مع أهدافها بعيدة المدى وتشير بطريقة غير مباشرة إلى توقع البورصتين بنمو أسواق واقتصاديات الدول الخليجية مستقبلاً وتوافر عوائد مغرية للاستثمار الاستراتيجي الذي تم تخصيصه لهذه البقعة الجغرافية ترتكز في الدرجة الأولى على توافر رأس المال ووجود مجالات توسع وقدرة استيعابية للأدوات الاستثمارية والتقنية التي ستوفرها البورصتان بناء على خبرتها في الأسواق المتقدمة والناشئة. هذا من ناحية بعض الفوائد للبورصتين الأمريكيتين بدخولهما إلى أسواق منطقة الخليج وعقد تحالفات استراتيجية.
وبتناول الجانب الآخر المتعلق بفوائد بورصات دبي والدوحة من الدخول في شراكات استراتيجية مع أكبر عملاقين في الأسواق المالية الدولية، فإن الاستفادة الأولى تكمن في ارتفاع مستوى الثقة في هاتين السوقين للمستثمر الدولي الذي عرف التعامل مع "ناسداك أو إم إكس" و" نيويورك يورونكست" من قبل، وبالتالي ضمان توافر استحواذ البورصتين على حصة من السيولة العالمية المستثمرة في الأسواق المالية. ومن الاستفادات الأخرى، رفع مستوى التشريعات والقوانين التنظيمية بجانب أنظمة حوكمة الشركات لتتناغم مع المستويات العالمية المعتبرة بما يؤدي إلى رفع الثقة بالأصول المالية المدرجة في هذه الأسواق بجانب فوائد أخرى قد تكون مباشرة أو غير مباشرة تتعلق بالتوفيق بين الخبرات التي تتمتع بها الأسواق الأمريكية والموارد التي توفرها الأسواق الخليجية.
وأخيراً، إن الاندماجات والشراكات الاستراتيجية بين البورصات الخليجية والعالمية ستؤتي أكلها إلى المستثمر الفرد في دول المجلس، وإن بعد حين. فالنتائج طويلة المدى المتعلقة بتحسين الشفافية الكلية، أبحاث الاستثمار، وأدوات التداول وحوكمة الشركات ستصب في نهاية المطاف في مصلحة المستثمرين الأفراد. ولكن، أشدد على وجوب استمرار استهداف واقتصار عمليات الطرح الأولي للمشاريع المتعلقة بالنفط ومشتقاته لمواطني دول المجلس بجانب توفير فترة تداول تمتد إلى عشر سنوات على الأقل لاستفادة المواطنين من هذه الموارد الناضبة كحال أسهم (أ) A الصينية المخصصة للمواطنين بغض النظر عن إدارة البورصة وملكيتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي