إن كان تطورُنا معجزة فلنؤمن بالمعجزاتِ!

[email protected]

* "الإيمان هو الطير الذي يشدو لما يكون الفجر مظلما" – رابندارات طاغور.

أنا أؤمن بالمعجزات، وبأن زمن المعجزات باق لا يزول، وأمضي في هذا الاعتقاد زاعما بأن أي واحد لا يؤمن بالمعجزات فهو ليس واقعيا. فالناس مثلا منذ القديم وهم يقطعون الصحاري ويشرعون في البحار، ويتبعون البوصلة والنجوم في عرض المحيطات، ويعبرون الأنهار، ويتسلقون الجبال، وفي أزماننا مشوا على القمر، وأرسلوا المجسات إلى كواكب المجموعة الشمسية.. بينما هم يمرون بجانب أنفسهم ولا يتعجبون في خلقها وأن كل نفس هي معجزة ما قام الزمان.

وكان أديسون بعقليته الاختراعية الصرفة يقول: "إني أؤمن بأن العالم تحكمه عبقرية لا نهائية (وهذه معجزة)، وأن كل ما يحيطنا في العالم وكل ما هو موجود يثبت أن هناك قوانين إعجازية وراء الظواهر، محكومة بدقة صارمة". بل إن الحاجة الأساسية في عالمنا هي إعادة تأصيل الإيمان بما لا نراه، وأن الدنيا تتحضر بالإيمان السماوي غير المرئي، ولو لم تأتِ الأديان بكل غيبياتها لكنا نتلمسها في العبادات البليدة السائدة قبل الأديان السماوية، ولو أن العالم لم يهتد إلى النبع الغيبي الديني فإنه بالضرورة الحتمية سيلجأ للخرافة، ويعود إلى الوراء.

نعم ستجد كثيرا من العلميين الواقعين من يسخر من كلمة معجزة، ويعتبرها شيئا من الخرافة المعطلة للعقل في ظل هذا العالم الذي يحكمه العلم وتسيره وسائل التكنولوجيا. ولكننا نؤمن بأن المعجزات ما زالت تحدث وبأنها لن تقف أبدا عن الحدوث. ربما كان السر هو.. الإيمان العميق!

ولو راجع الإنسان ملفات الذاكرة لوجد قصة تدل على شيء من الإعجاز، ولو تمعنت بحثا في مشاهد الحاضر لوجدت الكثير من المعجزات، وكانت تصدر سلسلة أمريكية تابعناها في الصبا، وما زالت تصدر عنوانها " صدق أو لا تصدق" ولكنها تورد بالإثبات الموثق عن معجزات تحصل في أركان الأرض.

ويأخذنا السياق لكي نقول إن الإيمان بالمعجزة هو دافع للعمل لتحقيق النجاح، فالإيمانُ أقوى من الأمل، لأن الأمل هو تمني شيء أن يحصل، بينما الإيمان هو الاعتقاد بأنه سيحصل، والفارق ـ كما ترى ـ فارق شاهق. ومن هنا نقول إننا مثل أي أمة في الدنيا لنا مشكلاتنا وصعوباتنا الحياتية المختلفة اجتماعيا واقتصاديا ومعاشيا، وهي دعوة بأن ننشد البلوغ إلى الإيمان وذلك بالعمل الجاد والتفاؤل العميم لتحقيق معجزة أن تقوم أمتنا، أمة في صدر صف الأمم.. ليكن، فلنسمها معجزة، ونقول إن المعجزات تتحقق، ولكن كما قال "أديسون" وراءها قوانين حتمية.

ومن يقرأ لكاتب أمريكا الأشهر الساخر "مارك توين" يعرف أن له نصا جميلا وعبقريَّ التعبير، وفوق ذلك عميق الواقعية يقول فيه: "إن الكوميديا هي مأساة زائدا الزمن" أي أن المآسي عندما يمر عليها زمن طويل تكون كوميديا. ونحن في أمم العرب والإسلام بلا استثناء مررنا بمآسي السقوط السياسي والضعف الاجتماعي وتصاغر الدور العالمي حتى صرنا مسارح من الكوميديا، بل نحن مع الزمن صرنا أول الساخرين! لذا فإننا إن قلنا إننا حالة ميئوس منها، قد نكون فعلا صادقين، ولكن إن تفاءلنا أن المعجزات تحصل، عملنا بجد وعرق وتصميم وتفاؤل عريض بأن الإيمان بالنجاح يجعله يحصل لكي يكون حقيقة. والآن كل العالم يشير إلى الصين وكوريا ويصفهما بالمعجزة.. إذن كلمة معجزة ليست هي المستحيل، بل هي الواقع لما نريد بحق أن نصل إليه، وهذا الحق هو العمل الجماعي الجاد، الخالي من الكسل، والحر من النفاق، والخالص من الاتكالية والمحسوبية.. المعجزة إن كانت بحرا، فهي تجمُّعٌ بدأ من كل قطرة عرق.

إن القوانين الحتمية التي تصنع معجزة النجاح لنخلع عنا أدرانَ البطالة والعجز والتأخر ليست بسن القوانين الإلزامية التي تصدرها الأنظمة الرسمية لمواجهة مشكلة ما، ولكنها القوانين الحتمية التي نصنعها نحن جميعا بالعمل الجاد والنية الصادقة والجهد الذي لا ينقطع.. والإيمان بأن لا شيء يهد من عزمنا ولا يمكن أن تهددنا تأشيرة عمل، أو خبرة أجنبية، أو حماية قانونية، لأن هذه تجعلنا مع الزمن أكثر خوفا وأشد ضعفا. الصحيح، أن نعمل لكي نتفوق بجد فيكون الاحتياج إلى التأشيرة عبث، والخوف من الخبرة والمنافسة الأجنبية وهمٌ وسراب.

لابد أن نؤمن بأن الزمن الذي نودع فيه السلبية ونستقبل فيه الأملَ المجبول بالعزم والتصميم قادم، ولكنه لن يأتي من حاله إن لم نحرك نحن مولداته. هناك كثير من العمل ينتظرنا، وكثير من الإبداع في عقولنا يريد الخروج، وفيض من الذكاء يعمر الرؤوس، ويبقى لنا أن نؤمن ونثق بأنفسنا بأننا نستطيع العمل لتحقيق كل ذلك، وهذا يحتاج كثيرا إلى أن نزيد من مساحة التشجيع وأن نمسح مساحات التحذير والموانع وإنذارات التأنيب والعقاب.. فإن العقل والعمل لا يعملان إلا في أفق مفتوح.

نحتاج بشدة إلى التغيير، كل لحظة أو درجة تغيير إيجابية ستوجد فارقا هائلا للأمام..
معجزة؟ ربما، وأنا أؤمن بالمعجزات!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي