سوق الأسهم، للكبار فقط

[email protected]

مرة أخرى يتسبب سوق الأسهم في خسائر المتداولين ومرة أخرى يظهر النقاش على السطح عن استراتيجيات التعامل في سوق الأسهم السعودية, ففي الوقت الذي ينادي البعض فيه إلى مستوى ثقافي استثماري أعلى، فإن واقع السوق يحث على المضاربة والمضاربة الشرسة فقط. ومع إيماني الشخصي أن الاستثمار في جميع آجاله هو أفضل طريقة لتحقيق المكاسب في سوق الأسهم السعودي إلا أن واقع حمى المضاربة تجتذب الكثير من للمتداولين باختلاف قدراتهم على المضاربة. وهنا يجدر التركيز على أن المضاربة تحقق أرباحا يومية ولكنها في نهاية المطاف تحمل أرباحا بسيطة إن لم تكن خسائر حين مقارنتها بالاستثمار. ويستطيع أي مضارب (والحديث هنا ليس عن المضاربين المحترفين) عمل تقييم لمحفظته الاستثمارية وأن يعود إلى أسعار بعض الأسهم الاستثمارية التي اشتراها قبل عام من الآن ليرى الفرق في التقييم النهائي لاستثماراته مقارنة بما لديه تحت وطأة المضاربة اليومية العاطفية.
في سوق الأسهم لا يوجد ما يسمى بالاحتفاظ بالأسهم حتى الموت مهما كانت مغرية ومربحة وذات مستقبل باهر، ولكن تبقى الخيارات مفتوحة أمام المتداولين فمنهم من يؤمن بالمضاربة السريعة لدرجة يومية وهناك من يفضل مضاربة ذات مدى أطول وقد تصل إلى استثمار قصير الأجل ترسمه نسبة أرباح معينة أو فترة زمنية محددة لتصل إلى مستثمرين بنظرة طويلة الأجل. وهذا الاختلاف في التوجهات الاستثمارية تحكمه طبيعة وثقافة المستثمرين وبشكل كبير جدا يعتمد على القوة الشرائية التي يمتلكونها، ولكن يبقى هناك فاصل مشترك بين الجميع وهو الربح بأشكاله المختلفة وقيمته المتغيرة ويتفق الجميع على ألا يخرجوا خاليي الوفاض من معترك الأسهم ويجتمعون على تجنب الخسائر أو بدقة أكثر عدم الوقوع فيها. ولذلك فإن من المسلمات في سوق الأسهم أن الأسعار ترتفع وتهبط، ولكنها لا تغير شيئا أبداً في ثوابت الشركات أو قوائمها المالية أو موقعها الصناعي أو التنافسي.

وما حدث في السوق أخيراً من موجات هبوط حادة غير مبررة اقتصاديا أو ماليا أو فنياً، يدعو إلى التأمل بعيدا عن التشريعات والأنظمة والعدالة والشفافية وغيرها من مكونات السوق التشريعية والتنفيذية التي تحتاج إلى وقت طويل من النقاش والتي يجب ألا ينتظر المتداول تطورها حتى لا يخسر أمواله انتظاراً!!. والتأمل الذي نتحدث عنه هو ما يتعلق بالتعامل المباشر للأفراد مع السوق وما يحكم ذلك من إشاعات وتوصيات وموجه خوف تجبرهم على الهروب من السوق في حالات التصحيح، هذا النمط من التعامل يحفز كبار المستثمرين على التلاعب بأموال الأفراد عبر التلاعب العاطفي بمعطيات السوق وبث الخوف، ومن خلال السنين الماضية لم يتعلم الصغار الدرس ولم يتوقف الكبار عن التلاعب، وقريبا سيرتفع السوق وينسى الصغار خسائرهم ليستمتعوا بأيام الارتفاع وتعود التوصيات والإشاعات والابتسامات وهكذا دواليك هبوط فارتفاع ومن ثم هبوط والنتيجة السنوية لمحافظ المتداولين خسائر تغذيها رواتب صغار المتداولين ومدخراتهم.
وهذا الحال يجبرنا على النظر إلى ثلاثة خيارات حتمية ليحافظ صغار المستثمرين على أموالهم ومدخراتهم، نختصرها على النحو التالي، الاستمرار بتحقيق أرباح قليلة وخسائر كبيرة لينتهي المتداول بالديون والحسرة والمشكلات المالية، والخيار الثاني هو في الخروج النهائي من السوق والنظر إلى استثمارات أخرى أكثر استقرار وأقل مخاطرة وأقل أرباح، والخيار الثالث في التحول إلى الاستثمار المتزن عن طريق آلية تعامل طويلة الآجل أو الاستثمار المؤسسي عن طريق الصناديق الاستثمارية التي يديرها محترفون في التعامل مع الأسهم ولا تحركهم العاطفة أو الإشاعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي