الفرق بين الهند وباكستان
في مثل هذا اليوم من عام 1947 حصلت الهند وباكستان على استقلالهما من الإمبراطورية البريطانية، وقبل ذلك كانت الدولتان في كيان واحد يدعى الهند. وكان لويس ماونتباتن آخر حاكم بريطاني في الهند قد صرح بأن الإمبراطورية البريطانية تعتزم تقسيم الهند إلى قسمين، هند علمانية، وباكستان إسلامية. وفي منتصف ليلة 15 آب (أغسطس) 1947 تم إعلان استقلال الدولتين عن بريطانيا، وسط اشتباكات واسعة بين المسلمين والهندوس في عدة أنحاء من الهند، وهو ما فطر قلب أبو الهند وصانع استقلالها المهاتما غاندي الذي كان يحلم بهند موحدة مستقلة يجتمع فيها المسلمون والهندوس والسيخ وغيرهم في كيان واحد.
واليوم لا زالت العلاقات بين البلدين تشهد توتراً بين الحين والآخر وتسابقا في التسلح النووي. ولو قارنا بين البلدين لوجدنا أن عدد سكان الهند يفوق سكان باكستان بسبعة أضعاف، وبها تنوع عرقي وديني أكثر بكثير من باكستان، فالهندوس في الهند يشكلون 80.5 في المائة من السكان، والمسلمون 13.4 في المائة، والسيخ 1.9 في المائة وغيرهم 1.9 في المائة، أما باكستان فالمسلمون فيها 97 في المائة، وغيرهم 3 في المائة من مسيحيين وهندوس وغيرهم. ورغم هذه الحقائق التي ترجح تراجع باكستان وزيادة احتمالية كثرة المشكلات فيها وصعوبة الاستقرار، نجد الوضع مقلوباً. فالهند أكثر استقراراً من باكستان من الناحية السياسية والاقتصادية. فمنذ استقلال البلدين حتى الآن جرى في باكستان أربعة انقلابات (انقلاب أيوب خان عام 1958، يحيى خان 1970، ضياء الحق 1977، مشرف 1999)، في حين لم يحدث في الهند أي انقلاب منذ الاستقلال.
وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن الناتج المحلي القومي في الهند بلغ عام 2007 قرابة 3.09 تريليون دولار، في حين بلغ 409 مليارات دولار في باكستان حسب إحصاءات البنك الدولي. وحجم القوة الشرائية في الهند في عام 2008 بلغ 3.28 تريليون دولار، وسيصعد هذا الرقم في عام 2013 ليصبح 5.30 تريليون دولار، أما في باكستان فقد بلغ 443 مليار دولار في عام 2008، ويقدر أن يصل إلى 680 مليار دولار في عام 2013 حسب إحصاءات صندوق النقد الدولي. ومن المتوقع أن تتفوق الهند على مستعمرتها السابقة بريطانيا في عام 2020 لتصبح خامس أكبر اقتصاد في العالم حسب توقعات شركة الخدمات المالية الدولية جولدمان ساكس. وستتخطى الهند كلاً من الولايات المتحدة واليابان بحلول عام 2050 لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الصين. وتأتي هذه التوقعات نظراً لمحافظة الهند على نمو مطرد للاقتصاد ومعدل الدخل القومي بلغ 9 في المائة.
وتعد الهند من أكبر الديمقراطيات في العالم، حيث أصبح العمل المؤسساتي وأداء الأجهزة الحكومية مثار إعجاب أغلب الدول. وتمكنت ديموقراطية الهند من التغلب على الاختلافات الكبيرة بين شرائح الشعب الهندي الدينية والاقتصادية والعرقية، لتحقق استقراراً لم يتحقق في الدول المحيطة.
وعلى الصعيد الاجتماعي فقد بلغ متوسط الأعمار في الهند 24.7 وفي باكستان 19.6، وتمكنت الهند من أن تصبح المكتب الخلفي لعديد من الشركات العالمية لتزود شعبها بمئات الآلاف من الوظائف لمصلحة شركات أجنبية فتحت فروعاً لها في الهند لتقدم خدمات الدعم الفني لشركاتها في أوروبا وأمريكا. فحين يتصل العميل بإحدى الشركات على الرقم المجاني في أمريكا يتم تحويل المكالمة آلياً للهند ليجيب عليه الفنيون هناك، ويحلون مشكلته التقنية. وتمكنت الهند بذلك من أن تحقق نصراً كبيراً لمؤسسات التعليم العالي لتدخل بذلك في التصنيفات العالمية من ضمن أفضل الجامعات في العالم. والنتيجة أن أكثر من ثلث الأطباء في أمريكا هم من الهنود، وأكثر من ثلث موظفي ناسا من الهند، وكذلك أكثر من ثلث موظفي مايكروسوفت، وربع موظفي آي بي إم.
توصل النظام الديموقراطي في الهند إلى ما عجزت عنه المؤسسة العسكرية في باكستان من تحقيق هدف الحكومات في كل مكان: الاستقرار والنمو الاقتصادي لبلادها. وقبل سنوات قليلة تمكنت باكستان من دخول النادي النووي، وما زالت إلى اليوم تحاول حل المشكلات الاقتصادية التي نتجت عن سباق التسلح هذا الذي رافقه إهمال للاقتصاد والاستقرار السياسي والاجتماعي ناهيك عن تفاقم مشكلة التطرف والإرهاب الذي يهيمن على الشأن الداخلي الباكستاني.
رغم ميلان كفة السكان والتنوع لمصلحة باكستان، فقد تمكنت الهند من تجاوز هاتين المعضلتين لتصل لمصاف الدول العالمية الصناعية، لتغزو العالم بتقنيتها وعمالتها المدربة.
حين تنتصر الديموقراطية تسحب وراءها مؤسسات المجتمع الأخرى باتجاه المستقبل المشرق.