تأثير دخول المستثمر الأجنبي في سوق الأسهم (2)
كنا قد استعرضنا في مقال الأسبوع الماضي قرار هيئة سوق المال بالسماح للأجانب من غير المقيمين في المملكة بتداول الأسهم السعودية وفق اتفاقية مبادلة أو ما يسمى Equity Swap Agreement، وتحدثنا عن بعض التجارب العالمية في هذا المحال، واليوم نستعرض المعايير المباشره التي تؤثر في إقبال الاستثمار الأجنبي على الأسواق المالية وسوق الأسهم السعودية بالتحديد، وعن مدى ملاءمة هذه الصيغة للمحافظة على استقرار السوق والتقليل من الآثار السلبية للاستثمار الأجنبي المباشر وشبه المباشر في سوق الأسهم. أي ما أهم المعايير التي تهم أي مستثمر عند الدخول في الأسواق المالية العالمية.
حجم السوق
لا جدال أن عدد الأسهم المطروحة للتداول في السوق السعودية وعدد الشركات المدرجة يعد في نظر المختصين متواضعا وقليلا مقارنة بغيرها من الأسواق العالمية المتقدمة والناشئة, بل حتى الأسواق. ومن ناحية أكثر عمقاً التي تعني الكيف وليس الكم، خصوصا أن معلومات المؤشر الحر ومعلومات نسبة الـ 5 في المائة تؤكد من جديد أن السوق المحلية ما زالت في حاجة إلى عمق أكبر. فالدولة ما زالت تملك نصيبا كبيرا من الأسهم, وهي أسهم لا يمكن تداولها مطلقا بأي حال من الأحوال إلا من خلال التخصيص الكلي. أضف إلى ذلك ملكية بعض العائلات التجارية نسبة جيدة في الشركات المساهمة, وهي تعد أسهم ملكية أكثر منها أسهما استثمارية يتم تداولها. هذا الافتراض يقودنا إلى أن قلة عدد الأسهم المطروحة في السوق لا يشجع المستثمر الأجنبي على الدخول فيه (استثماريا), بل إن وضع السوق يشجع على أن يكون الدخول (مضاربيا). وهذا سيضر بالسوق على المديين المتوسط والطويل, وذلك لأنه سيكون من السهل رفع أسعار الأسهم بالدخول المكثف قد يقود الى آثار أسوأ مما عاشها المتداولون خلال السنتين الماضيتين, وهذه حقيقة نلمسها في واقع السوق اليوم من مضاربين محليين على سهم معين وعند ارتفاعه إلى حد معين تسحب هذه الأموال لجني الأرباح ولتهوي بعدها الأسعار.. باختصار إن حجم السوق سيشجع المستثمر الأجنبي على الدخول مضاربا و ليس مستثمرا.
إدارة السوق
في حقيقة الأمر فإن الإدارة الحالية للسوق قامت بنقلات نوعية كبيرة ومهمة في سبيل تطوير آليات عمل السوق, ومع ذلك فإنها ما زالت تواجه تحديا كبيرا. فالهيئة ما زالت في مراحلها الأولى, ومع أن وجودها مؤشر إيجابي يصب في صالح البنية المستقبلية لسوق على قدر كبير من الكفاءة إلا أنها تحتاج إلى وقت أتمنى ألا يكون طويلا لإثبات نجاحها خصوصا من منظور المستثمر الأجنبي. وجزء لا يتجزأ من مسؤولياتها هو رفع مستوى الشفافية وإعطاء الطمأنينة للمستثمرين في الأسهم وما تليها من الأوراق المالية في المستقبل المنظور. أضف إلى ذلك أن الآليات والأنظمة التي تدير بموجبها السوق ستكون تحت المجهر للتأكد من كفاءة إدارة السوق, وهو ما يعطي المستثمر مؤشرا على مستقبل التشريعات والقرارات التي تصدر من قبل الهيئة. كذلك فإن إعطاء المجال لشركة تداول للعمل كمنظم ومتحكم في العمليات اليومية كشركة مستقلة مع الإبقاء على دور هيئة سوق المال في الجانب التشريعي سيعطي السوق بعدا احترافيا كبيرا يصب في مصلحة رفع كفاءة السوق.
الإفصاح ومستوى الشفافية يمثلان أحد المعوقات التي تقف حائلا أمام تدفق الأموال الأجنبية على الاستثمار في السوق المحلية للأسهم, فمستوى الإفصاح والشفافية الذي يتوافر في السوق المالية يعد أحد مرتكزات كفاءة السوق وعوامل فاعلة في جذب الاستثمارات الأجنبية? وعلى الرغم من جهود مشرع السوق في هذا المجال وكذلك وجود بعض القوانين والقواعد التي تلزم الشركات المساهمة بضرورة رفع مستوى الإفصاح, إلا أن مستوى الإفصاح والشفافية في السوق المحلية لا يزال ضعيفا. أضف إلى ذلك أن ارتفاع السوق لا يخضع إلى القوانين المالية والاستثمارية المتعارف عليها في الأسواق الأكثر كفاءة? ولا تعكس بأي حال من الأحوال وضع الشركات المالي والاستثماري? بل إن السوق تتأرجح بين مضاربين قد يكونون يتمتعون بقدر أعلى من المعلوماتية, وهو ما تحاول هيئة سوق المال السيطرة عليه, أو بمعنى أدق الحد منه بهدف إضفاء مزيد من الشفافية والعدالة الى السوق.
ويبقى السؤال المهم: هل ستؤمن طريقة اتفاقية المبادلة السوق من دخول الأموال الساخنة؟ ومع يقيني أن هيئة سوق المال وضعت في الحسبان هذا الموضوع المهم، إلا أن التفاصيل الموجودة لا توضح تفاصيل ضوابط عمليات الشراء والبيع للمستثمر الأجنبي من خلال شركات الوساطة المحلية. إذا لم تكن هناك ضوابط فإن الخطر كبير من دخول تلك الأموال، وإن كانت بطريقة غير مباشرة، فالكسب المادي هو ديدن المتعاملين في السوق سواء كانوا مستثمرين أو شركات وساطة، أما الاهتمام بتأمين الاقتصاد فإن ذلك مسؤولية الحكومة.