واحد DNA لو سمحتوا!

[email protected]

بالجملة التي عنونت بها هذا المقال علّقت قبل أيام على خبر آلمني فور اطلاعي عليه, وحمدت الله كثيراً على الفتح العلمي العظيم المسمى بتحليل البصمة الوراثية DNA, ولكم أن تعلموا أن هذا التعليق ليس من ابتكاري, فـ "يوسف" الطفل الذي يبلغ من العمر عامين نطق به على لساني, وما أنا إلا ناقل لصوته لا أكثر.
إنه طفل لم ير الشمس منذ ولادته، طفل قضى عاميه الوحيدين بجوار المرضى في أحد المستشفيات وهو بكامل صحته لأن أمه المراهقة البالغة من العمر 16 سنة رفضت تسلمه عقب ولادته بحجة أنها حملت به نتيجة اغتصابها من قبل ثلاثة أشخاص تم القبض عليهم قبل فترة حسب ما ورد في الخبر, ولولا أن مسؤولة دعم الطفولة في هيئة حقوق الإنسان الأستاذة "سالمة الموشي" قررت أن تقوم بجولة على المستشفيات لما تعرفتُ على "يوسف" ولما حملتُ صوته إليكم, خصوصاً أن إدارة المستشفى قامت مشكورة بمخاطبة جميع دور الإيواء في السعودية لتسلمه دون جدوى لعدم القدرة!
إنني اتساءل عن مصير "يوسف" وغيره من الأطفال الذين يصنفون كـ "لقطاء" وهم الذين قُدّر لهم أن يخرجوا إلى هذه الدنيا في زمن ثورة الـ DNA دون أن تمحو هذه الثورة العار الذي حملوه مكرهين بلا أي ذنب ارتكبوه .
نعلم جميعاً أن تحليل البصمة الوراثية بات قرينة يعتد بها في القضايا الجنائية في المحاكم, فنتائج هذا التحليل ليست شعوذة أو ضرب ودع, إنها حقيقة علمية ثابتة, وهذا ما يثير استغربي وتساؤلي عن السبب الحقيقي الذي جعل الطفل "يوسف" يقضي كل هذه المدّة دون أن يخضع لهذا التحليل ويُنسب لوالده الحقيقي شاء أم أبى !
إنني أتوجه بكلماتي هذه إلى أصحاب الشأن في مملكتنا الغالية للتدخل في هذه القضية المصيرية بالنسبة لهذا الطفل المسكين ووالدته التي أجبرها الخوف من العار على قذف فلذة كبدها دون رحمة بين المرضى لعامين كاملين, فطالما أنها معروفة لإدارة المستشفى, وطالما أن الجناة الذين من بينهم والد هذا الطفل معروفين, فما الذي يمنع من أن يحمل يوسف اسماً رباعياً كباقي أقرانه, حتى وإن لم يكن مستقبله كمستقبلهم, وحتى وإن لم تكن طفولته تشبه طفولتهم التي سيقضونها بدفء بين أبويهم!
إنني أتمنى بحق أن أعيش حتى أرى اليوم الذي يصبح لدينا فيه "أرشيف" كامل للبصمات الوراثية, وهو لن يختلف كثيراً عن أرشيف "البصمات" في الأدلة الجنائية اليوم, بحيث لا يخرج إلى الدنيا في هذا المجتمع طفل بلا اسم رباعي نتاج جريمة بشعة كالتي تعرضت لها "أم يوسف", أو نتاج غلطة مراهق جبن أن يتحمل مسؤوليته تجاه نفس بريئة!
أعلم أن دولاً عديدة في أوروبا وعلى رأسها ألمانيا بدأت منذ سنوات عديدة في تكوين أرشيف ضخم للبصمات الوراثية للمجرمين وأصحاب السوابق لدواعي أمنية ولتسهيل الوصول للجناة في القضايا التي كانت فيما مضى تُسجل براحة ضمير ضد مجهولين, ولا أظن أن مشروعاً كهذا قد يكون مكلفاً للدرجة التي تجعلنا نصرف النظر عنه, كما أننا إن تعودنا على الاستعانة بتحليل البصمة الوراثية في جميع القضايا المشابهة لقضية يوسف ووالدته, فلن نضطر مستقبلاً إلى إزعاج السادة في دور الإيواء خصوصاً أننا بتنا نعرف تماماً حكاية "عدم المقدرة" التي تعوقهم عن أداء واجبهم تجاه الأبرياء من ذوي الأسماء غير الرباعية في هذا المجتمع!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي