أنسنة المدن .. إستراتيجية اقتصادية مستدامة

مع تسارع النمو الحضري والاقتصادي، أصبحت المدن مركزًا للنشاط البشري والاقتصادي. ومع ذلك، أدى هذا التوسع الحضري السريع إلى عديد من التحديات الكبيرة، مثل التلوث، والازدحام، وتدهور جودة الحياة.

ولذا ظهر مفهوم أنسنة المدن، الذي يركز على وضع الإنسان في قلب التخطيط الحضري لتحقيق توازن بين البعدين الاجتماعي والاقتصادي، ولعلي في هذا المقال أعرف بماذا نعني بأنسنة المدن، وكيف تسهم في نمو اقتصاد مستدام.

أنسنة المدن هي إستراتيجية تركز على تحويل المدن إلى أماكن تُعزز رفاهية السكان وهي تدعم الأنشطة الاقتصادية من خلال تصميم بيئة حضرية تُلبي احتياجات الإنسان. تعتمد هذه الإستراتيجية على عناصر أساسية، تشمل تشجيع ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة وإعادة تصميم المناطق التجارية والشوارع لتكون أكثر جذباً، ما يزيد الإقبال ويُنعش الأسواق المحلية.

ولا شك أن المدن التي تُركز على أنسنة بيئتها تُصبح أكثر جاذبية للشركات الكبرى والمستثمرين بسبب بنيتها التحتية المتطورة وجودة الحياة العالية التي توفرها، وتنفيذ مشاريع أنسنة المدن، مثل تطوير المساحات العامة وتحسين النقل المستدام، يساعد على صنع فرص عمل جديدة ويُولد فرص عمل مباشرة وغير مباشرة. والاهتمام بالاقتصاد الأخضر في أنسنة المدن يفتح مجالات عمل جديدة في مجالات الطاقة المتجددة وإعادة التدوير والبنية التحتية الذكية.

ومن العناصر أيضاً، الحفاظ على التراث الثقافي والمعماري الذي يُعزز الهوية المحلية ويعد وسيلة لجذب مزيد من الزوار، كما يسهم التصميم العمراني الموجه للإنسان في تحقيق التنمية المستدامة، أيضاً الاستثمار في النقل العام المستدام والبنية التحتية الذكية يخفف من التلوث ويُقلل من التكاليف طويلة الأجل ويزيد من كفاءة استخدام الموارد. هذه المدن الإنسانية تُسهم في تحسين صحة السكان وزيادة رفاهيتهم النفسية من خلال جودة الحياة التي توفرها، ما ينعكس إيجابًا على إنتاجيتهم في جميع المجالات وخاصة الاقتصادية.

وهناك كثير من الأمثلة الدولية على ذلك، فهذه سنغافورة طبقت سياسات مبتكرة لأنسنة المدن، مثل تحويل المباني إلى مساحات خضراء، وتعزيز التنقل المستدام، ويعد مشروع "مارينا باي" مركزًا اقتصاديًا وسياحيًا يجمع بين التطوير العمراني والمستدام. ويعد شارع لا رامبلا في برشلونة في إسبانيا منطقة سياحية رئيسية تدعم الاقتصاد المحلي وتوظف آلاف السكان ويعد نموذج ناجح لأنسنة المدن، وغير ذلك كثير.

وفي السعودية هناك عديد من مشاريع أنسنة المدن التي تندرج ضمن برامج رؤيتها 2030، مثل مشروع الرياض الخضراء الذي يهدف إلى زراعة أكثر من 7.5 مليون شجرة في العاصمة وحدها، ما يُحسن جودة الهواء ويُقلل من درجات الحرارة، ومشاريع مدينة نيوم وذا لاين كمدن ذكية تعتمد بالكامل على الطاقة النظيفة، وتركز على الابتكار وجودة الحياة، ومشروع البحر الأحمر، ومشاريع النقل المستدام مثل قطار الرياض الذي افتتح أخيراً، كل ذلك يُعزز النشاط الاقتصادي من خلال صنع فرص عمل، وجذب الاستثمارات العالمية.

أنسنة المدن ليست مجرد تحسين للمظهر الحضري، بل هي إستراتيجية اقتصادية متكاملة تدعم النمو الاقتصادي بشكل مستدام، من خلال توفير بيئة حضرية مبتكرة وصديقة للإنسان، حيث تسهم هذه المدن في تعزيز الاقتصاد المحلي، وتساعد على جذب الاستثمارات بكل أنواعها، وفي تحسين رفاهية السكان، وهي تُعد إستراتيجية ذات رؤية طويلة الأمد ومفتاحاً لبناء مدن قادرة على الصمود وقادرة على المنافسة والريادة العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي