كل "شوربة" وأنتم بـ"غينيس" ..!
يقول الناس البسطاء الطيبون في وطني عن الرجل الذي فقد السيطرة على نفسه أو تفكيره بسبب موقف ما إنه (صار شوربة), وأعتقد أن هذا الوصف اليوم مناسب جداً لموسوعة غينيس للأرقام القياسية, فقد دخلناها أخيراً من أوسع أبوابها عبر أكبر طبق شوربة أعده أربعة شبان سعوديين في الهواء الطلق!
ولهذه الموسوعة العالمية حكايات كثيرة مع مدخلات الكرش العربي, وهو ما يدعوني إلى أن أدعو الله - عز وجل - بأن لا تتحول هذه الموسوعة المحترمة خلال السنوات القادمة إلى كتاب مخصص للطبخ العربي, ليس لشيء وإنما رأفة بالأمم الأخرى التي ما زال لديها طموح في كسر الأرقام القياسية في جميع المجالات!
ولتتصفحوا معي إنجازاتنا نحن بني يعرب في هذه الموسوعة خلال الأعوام الماضية فقد استطعنا - بحمدالله - كسر الأرقام القياسية المستعصية بعدة أطباق لا يشق لها غبار, حيث كسر بعض الشبان في دولة مصر الأرقام القياسية وسجلوا اسم دولتهم بماء الذهب في هذه الموسوعة بواسطة أكبر طبق (كشري)!
أما إخوتنا الإمارتيون فقد فضّلوا دخول هذه الموسوعة عن طريق أكبر طبق "رطب" في العالم, ولم تتوقف الإنجازات العربية عند هذا الحد فقد قرر إخوتنا اللبنانيون اقتحام هذه الموسوعة كغيرهم من أبناء عمومتهم بأكبر طبق "تبولة", ليتبعهم إخوتنا الأردنيون ويحجزوا لأنفسهم مكاناً في تلك الموسوعة ويحققوا رقماً قياسياً جديداً عبر إعداد أكبر طبق "منسف" ولله الحمد والمنة!
ولا تتوقف إنجازاتنا المطبخية عند هذا الحد، فهناك كما أعلم سباق مستمر منذ سنوات على كسر الرقم القياسي تلو الآخر لأكبر طبق كبسة في العالم!
لا أخفيكم أنني تذكرت وأنا أتصفح هذه الإنجازات العظيمة ذلك التصريح الشهير لوزير التجارة السابق عندما طلب من الناس تغيير عاداتهم الغذائية إثر ارتفاع أسعار الأرز بشكل كبير, وأذكر أنني توجهت وقتها إلى سوبرماركت الحي واشتريت كماً كبيراً من مغلفات (الأندومي) مقرراً توديع الرز إلى الأبد, واتباع نصيحة معاليه دون تردد لكنني لم أستطع الاستمرار على النظام الغذائي الجديد فقد أصبت وقتها بالتهاب الأمعاء، ما جعلني انقلب انقلاباً عظيماً وأعود للكبسات مرغماً لا بطلاً!
ولنعد لإنجازاتنا العالمية في موسوعة "غينيس" ونسأل أنفسنا لماذا نحن من دون بقية أمم هذه الأرض الذين تكسر أطباقنا الأرقام القياسية, هل لذلك علاقة بإفراطنا في تناول الطعام مثلاً أو أن له علاقة بحبنا الشديد لمعادلات الطبخ, أم ماذا؟
أعلم جيداً أن الهوس بالمأكولات والإفراط في تناول الطعام مرتبط غالباً بالاكتئاب وهو سلوك ناتج عن فراغ نفسي يلجأ له الإنسان للتكيف مع اضطرابات الحياة ومتاعبها دون أن يشعر, لكن أن يكون هذا الهوس أمميا, فأخشى أن ذلك يعني وبكل بساطة أننا أمة تعاني اكتئابا جمعيا حادا وهي كارثة بكل المقاييس, وتتماشى تماماً مع "التحلطم" الدائم لدى المسنين من العروبيين القدماء الذين يطلقون على أنفسهم جيل النكسة, مع أن الواضح أمامي أنني وأبناء جيلي لسنا سوى جيل الكبسة وبجدارة..!
لا أعلم لماذا تذكرت الآن حديث والد أحد أصدقاء الطفولة عندما كان يحضنا في صغرنا على الأكل بمقولته الشهيرة : "أكل الرجال على قد أفعالها", ربما تذكرته لأنني أشاهد بأم عيني اليوم أفعالنا العظيمة وإنجازاتنا الموسوعية التي كسرت الأرقام القياسية على مستوى العالم, فلله در ذلك الرجل ما أصدقه, وكل "شوربة" وأنتم بـ"غينيس" !