شيخ العبوات البلاستيكية!

[email protected]

ذهلت عندما كنت واقفاً عند إحدى الإشارات المرورية بالأمس متأملاً اللوحة الإعلانية الإلكترونية التي كانت أمامي مباشرة وهي تعرض إعلاناً تلو الآخر, وسر ذهولي يكمن في مشاهدتي لإعلان تجاري عجيب, إضافة إلى ردة فعل صاحب السيارة المتوقفة بجانبي على هذا الإعلان, مما جلعني اتأخر عن التحرك بعد تحول لون الإشارة إلى الأخضر وكاد يحولني إلى ضحية رمضانية لأحد الصائمين الذين ألقى بهم حظهم العاثر خلف سيارتي قبيل أذان المغرب بأقل من نصف ساعة.
كان الإعلان التجاري يحمل صورة رجل لطيف الشكل وكتب تحتها خبير الأعشاب الشيخ فلان الفلاني وأرقام هواتفه, أغمضت عينيّ وفتحتهما بعنف لأتأكد من أنني لست مستلقياً على سريري غارقاً في أحلامي, وأعدت الحركة نفسها مرتين وثلاث دون جدوى, فالإعلان حقيقي, وما أكد لي ذلك هو أن سائق السيارة المجاورة توقف على جانب الطريق وأخرج جهاز جواله بشكل يوحي بأنه كان يجري اتصالاً بالشيخ خبير الأعشاب!
لملمت بقايا ذهولي وتوجهت إلى البيت وصورة ذلك الإعلان راسخة في مخيلتي, وبعد أن أفطرت بدأت ذاكرتي في التحرك لأتذكر أنني أعرف ذلك الشيخ جيداً فهو صاحب محل عطارة في إحدى الأسواق الشعبية في الرياض, وكنت قد قمت قبل سنوات لا أذكر عددها بزيارة محله العامر بجميع أصناف العلاجات لجميع الأمراض بلا استثناء, حتى أنني وجدت لديه عبوات تحتوي على خلطات يمكن وصف فوائدها حسب ما كتب عليها وعلى البروشورات الموزعة في جميع أرجاء المحل بالسحر, فهذه عبوة لعلاج العقم الذي فشل الطب الحديث في علاجه, و تلك عبوة لعلاج أمراض وفيروسات الكبد التي تقتل عشرات الملايين في جميع أنحاء العالم سنوياً وتشكل تحدياً حقيقياً للطب الحديث, بجانب عبوات بلاستيكية كثيرة تحتوي على مواد مجهولة لتكبير و تصغير أجزاء جسم الإنسان, وعجائب لا يمكن حصرها.
ولاأخفيكم أن زيارتي لذلك المحل كانت تلبية لاتصال هاتفي من قريب لي يسكن في منطقة بعيدة عن الرياض ويعاني مشكلة صحية معينة, حيث طلب مني أن أزور محل الشيخ خبير الأعشاب والعطارة, وأبتاع منه عبوة لعلاج تلك المشكلة, فقد تعرف قريبي على ذلك الشيخ الشهير من خلال لقاء صحافي أجرته معه مجلة معروفة.
نفذت طلب قريبي وخرجت من المحل المذكور حاملاً خمس عبوات بلاستيكية صغيرة تحتوي على خلطات عشبية داكنة اللون ابتعتها بنحو ألف ريال رغم أني حضرت أساساً لشراء عبوة واحدة, لولا أن البائع في المحل أخبرني بأن على المريض أن يخضع لعلاج خاص للمعدة لمدة أسبوعين قبل أن يعالج مشكلته, وإلا لن يكون للعلاج فائدة, وكان عدد عبوات علاج المعدة أربعة أما العبوة الخامسة فهي العلاج الذي حضرت من أجله!
ولم تمر ثلاثة أيام حتى اتصلت هاتفياً بقريبي للتأكد من وصول عبواته له عبر البريد السريع والاطمئنان على صحته, فأخبرني بأنه تسلمها وبدأ في تناولها, وأنه شعر بألم في معدته بعد ذلك مباشرة لكن الخبير العبقري أخبره بأن هذا أمر طبيعي, ولأنني لا أريد الإطالة عليكم فسأختصر الحديث وأقول لكم أن قريبي عانى الأمرين من ألم المعدة واليوم بعد مرور سنوات على تناوله لتك العبوات لم يخرج بأي نتيجة منها مما يشعرني بالاستياء الشديد لأنني كنت دون قصد شريكاً لشيخ العبوات البلاستيكية في إيذائه, وكنت شريكاً ووسيطاً في تجارة الوهم التي تدر مئات الألوف على الكثير من الخبراء العشبيين في هذا البلد دون أن أستفيد من هذه التجارة مع الأسف!
لكنني أتساءل الآن عن موقف الجهات المسؤولة التي صرحت بتسويق إعلان شيخ العبوات عبر اللوحات الإلكترونية في شوارعنا ومدى إداركها أنها باتت شريكة في تجارة الوهم وإيذاء المساكين الذين يقودهم اليأس إلى أن يصبحوا زبائن منكوبين لهذه التجارة المربحة, فمن يمتلك الإجابة على تساؤلاتي؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي