الجمعية الخيرية لضحايا الإيجار !

[email protected]

(والله كسر ظهري الإيجار يا الطيب).. بهذه الجملة المؤلمة ختم رجل مسن أبيض اللحية والثياب حديثه لي بينما كنت في زيارة قصيرة لمكتب عقاري يمتلكه أحد الأصدقاء نهاية الأسبوع الماضي, كانت ملامح الرجل تتحدث بكلام أكثر بكثير من الكلمات التي نطق بها لسانه, ولم يستطع رغم محاولاته أن يخفي ذلك الكم الهائل من الشقاء الذي عبث به دون رحمة ليتمكن من توفير سكن يستر أفراد عائلته, فقد حضر الرجل إلى المكتب بحثاً عن مسكن يستطيع - وفق إمكاناته المتواضعة - أن يتحمل إيجاره لأن صاحب المنزل الذي يسكنه حالياً قرر رفع الإيجار بشكل غير منطقي مواكبة لموجة ارتفاع أسعار كل شيء.
أجزم أن كل واحد منكم يعرف قريباً أو جاراً أو صديقاً حالته أسوأ بكثير من حالة هذا الرجل المسن الذي ترك مكتب صديقي متجهاً إلى مكاتب أخرى بحثاً عمّا أسماه صاحبي بالمستحيل!
وأعلم كما تعلمون أنه لا يوجد أي قانون يحمي هؤلاء الضعفاء من جشع الملاك الذين يعتقدون أنهم يمارسون حقهم الطبيعي في تحديد السعر العادل لتأجير منازلهم حتى وصلت أسعار تأجير الوحدات السكنية في أغلب أحياء الرياض إلى أسعار غير منطقية أبداً, فليس من المعقول أن يكون إيجار وحدة سكنية تتكون من بضع غرف في حي متوسط الحال أغلى من سعر إيجار وحدة سكنية بضعف مساحتها في لندن أو باريس!
إن ما يحدث بحاجة إلى دراسة عاجلة وتدخل من الجهات المسؤولة لسن قوانين تحمي هؤلاء المساكين من جشع الملاك, ولا أرى أن في ذلك صعوبة أبداً, فهناك مثلاً نظام مطبق على الفنادق يصنفها إلى فئات ويحدد أسعار الإيجار وفقها, كما أن هناك الكثير من الدول المجاورة والبعيدة أيضاً لديها قوانين واضحة لحماية أفرادها ذوي الدخل المحدود من استغلال ملاك العقار, ثم دعونا نتساءل عن معدل دخل المواطن ونقارنه بمتوسط أسعار الإيجارات ونكتشف النتيجة المفزعة بأنفسنا.. إننا أمام مشكلة بحاجة إلى حل عاجل وتدخل من الجهات المسؤولة لحلها قبل أن تفرز مئات المشكلات كنتيجة حتمية لها!
وأرجو ألا يحاول أحد أن يتحدث عن الحلول غير المنطقية لهذه المشكلة كبرنامج مساكن الذي أعلن فشله الذريع, فمن يفعل ذلك لا يختلف موقفه بأي حال من الأحوال عن موقف ماري أنطوانيت ملكة فرنسا وزوجة الملك لويس السادس عشر، صاحبة المقولة المشهورة "إذا لم يكن هناك خبز للفقراء, فلماذا لا يأكلون البسكويت"!
إنني أتساءل بحق عن مدى إمكانية تأسيس جمعيات خيرية لضحايا الإيجار, فهم لا يختلفون كثيراً عن ضحايا المخدرات, وضحايا الفقر, وغيرهم ممن تؤسس جمعيات خيرية لمساعدتهم على مصائبهم, ففي ظل أسعار الأراضي الحالية ومواد البناء لا يمكن للموظف البسيط أن يمتلك منزلاً من دخله الشهري إلا بعد عقدين من الزمن على الأقل.. هذا إن افترضنا أنه سيقضيهما موفراً أكثر من 50% من دخله الشهري وبالطبع لن يتسنى له ذلك أبداً وهو يدفع نصف راتبه إيجاراً لمنزلٍ متواضع يستره هو وأطفاله من الحر والقر!
قرأت قبل فترة هنا في الاقتصادية عن رجل بنى لنفسه منزلاً من الطين في مزرعة بعيدة عن العمران بسبب حالته المادية, وقد يظن بعض الناس أن هذا الرجل صاحب حظ سيئ, لكن الحقيقة أنه رجل محظوظ جداً جداً ويحق للمسن الذي حدثتكم عنه في بداية هذا المقال أن يحسده على الأقل لأنه استطاع أن يمتلك بضعة أمتار من الأرض يبني عليها منزله الطيني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي