سعودية في حارة البنغال!

[email protected]

استمتعت كثيراً بمشاهدة مقطع من تقرير تلفزيوني أعدته قناة "الإخبارية" السعودية, تظهر فيه المراسلة التلفزيونية السعودية (فوز الخمعلي) وهي تتجول في حارة البنغال في العاصمة الرياض وتلتقي أفرادا من هذه الجنسية في الشوارع ناقلة أصواتهم للناس بثقة وشجاعة نادرة.
أعلم كما تعلمون أن هناك حملة شنت ضد العمالة التي تنتمي لهذه الجنسية في كثير من دول الخليج بما فيها المملكة, لدرجة جعلت دولاً خليجية ترحّل آخر بنغالي عن أراضيها, وفق استنتاجات و رؤى عنصرية وغير منطقية تنسب الجريمة والفساد إلى هؤلاء الناس بسبب جنسيتهم لأن عدداً من مواطنيهم ارتكبوا جرائم مختلفة ساهمت في توجيه الرأي العام ضدهم مع أنهم بشر يختلف بعضهم عن بعض ويدين غالبهم بالدين الإسلامي.
وكنت قد قرأت تصريحاً لمعالي وزير العمل الدكتور غازي القصيبي يشير فيه إلى إيقاف استقدام العمالة البنغلاديشية إلى السعودية بسبب استيفاء هذه الفئة من العمالة نسبتها المحددة من إجمالي العمالة الموجودة في المملكة, لا بسبب أنها عمالة مفسدة في الأرض كما يعتقد الكثير ممن ينطلقون من خلفيات عنصرية ويجاهرون بذلك دون خجل من أنفسهم على الأقل.
يا سادة يا كرام إن الإنسان هو الإنسان سواء كان في اليابان أو جنوب إفريقيا, ولم يكتشف حتى الآن جين وراثي خاص بالجريمة وإلا لكنّا أجدر الناس به فأجدادنا قاتل بعضهم بعضا وسفكوا الدماء من أجل قطعان من الإبل, أو نعرات جاهلية بشكل جعلنا نخجل ونحن نعيش في عام 2008م من عرض المسلسلات التي تصور حياتهم!
هناك فلسفة تقول إن الأبرياء أبرياء لأن فرصة ارتكاب جريمة لم تسنح لهم, ويمكنكم التوسع في فرضية الفرص وجعل الدين والأخلاق والتربية والشبع والاكتفاء المادي عناصر تستظل بمظلة هذه الفرضية, لكن هل تعتقدون بحق أن اجتماع هذه العناصر كافٍ لانقراض الجريمة من المجتمعات الملتزمة بها, هذا شيء مستحيل فالجريمة قديمة قدم الإنسان نفسه ولم تستطع كل القوانين والشرائع على مر التاريخ أن توقفها تماماً, فهي ظاهرة مرتبطة بالوجود الإنساني على هذا الكوكب بدءاً من قتل قابيل لأخية هابيل وحتى أصغر جريمة تركب اليوم, إلا إذا كان بينكم من يعتقد أن قابيل ينتمي إلى الجنسية البنغلاديشية!
ثم تعالوا لنرى كم عدد أفراد هذه الجالية في المملكة.. إنهم وكما تشير إحصاءات رسمية يزيدون عن مليوني عامل وهذا رقم كبير لكنه يكشف بشكل واضح عن السبب الذي يجعل الكثير من الناس يربطون بين الجريمة وبين أفراد هذه الجنسية, وهو ما يذكرني الآن بمقولة جميلة للفنان المصري عادل إمام ذكرها في أحد أفلامه ونصها: " الناس بتكتر ولما الناس بتكتر، تكتر معاها الناس الوحشة!", فكثرة عدد العمالة من الجنسية البنغالية لا بد أن ينشأ عنه كثرة عدد السيئين من أفرادها لكنه لا يعني مطلقاً أن العملية وراثية و مرتبطة بالجنسية.
وعود على بدء لا بد أن أشيد بالزميلة الشجاعة (فوز الخمعلي) التي اقتحمت برفقة مصور قناة الإخبارية تلك الحارة التي لطالما صورها الكثيرون كمكان موبوء ومركز لتجمع العصابات وتصدير الجرائم, فقد نقلت لنا هذه الإعلامية بشكل مباشر وبسيط صوراً من حياة هؤلاء الناس البسطاء الكادحين الذين قدموا من آخر الدنيا بحثاً عن لقمة العيش, بينما يعلن غيرها عن عنصريته المقيتة بنسبة كل فساد في العالم إلى هؤلاء الناس بسبب جنسيتهم فقط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي