راتبه ألف ريال يا بلد ..!

[email protected]

قالت العرب قديماً "ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزراً.. مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا", هذا البيت، وبعيداً عن القصة التي تسببت في خروجه كصرخة مدوية من حنجرة شاعره إضافة للمثل العربي الشهير (ليس من سمع كمن رأى) هما أول ما رددت بعد مشاهدتي الفيلم الوثائقي المؤلم الذي أنتجه وأخرجه الصحافي السعودي (طراد الأسمري) بعنوان (راتبي ألف ريال) رداً على تصريح رئيس هيئة حقوق الإنسان السعودية في آب (أغسطس) الماضي, ذلك التصريح الذي قلل من أهمية وخطورة ظاهرة الفقر في السعودية، معتبرا أنها - بشكل عام - محدودة ومنحصرة على الأغلب في المناطق المعزولة.
الفيلم الوثائقي يصور معاناة مواطن سعودي يدعى أحمد يعول أسرة مكونة من سبعة أفراد ويعمل حارس أمن في إحدى الشركات الأمنية براتب لا يتجاوز 1200 ريال في مدينة جدة التي لا أظن أنها من ضمن المناطق المعزولة, ولكم أن تتخيلوا كيف يمكن لمبلغ كهذا أن يستأجر غرفة واحدة متواضعة جداً وربما غير صالحة للسكن في أي مكان في هذا الوطن لستر تلك الأجساد السبعة, وكيف يمكن لراتب كهذا أن يطعم شخصين حتى نصف الشهر فضلاً عن سبعة أفواه جائعة. ثم يجدر بكم أن تعلموا أن هناك الآلاف من المواطنين الذين يعملون في مهنة أحمد نفسها ويتقاضون الراتب نفسه الذي يتقاضاه, وهم مصنفون كموظفين بينما هم أكثر فقراً وبؤساً ممن يحصلون على المساعدات من الضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية, فهل يستحق هؤلاء أن يشطبوا من سجلات الوطن ويتم نفي وجودهم في تصريح عابر.
إنني أتساءل عما يُسمى الحد الأدنى للأجور, هل هو أسطورة أم حقيقة, وأتساءل عن الأسباب الحقيقية التي تدعو بعض الجهات إلى محاولة إنكار وجود مشكلة الفقر أو التقليل منها بما يشبه محاولة حجب الشمس بغربال.
إن الاعتراف بأي مشكلة هو أول خطوة حقيقية في سبيل معالجتها, أما إنكارها ومحاولة دفن الرؤوس في التراب لتجاهلها فلن يزيدها إلا تضخماً وخطورة, ورحم الله الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري – رضي الله عنه - الذي قال: "إذا ذهب الفقر إلى قرية, قال له الكفر خذني معك!".
إنني أدعو جميع الذين ينكرون أو يتجاهلون خطورة ظاهرة الفقر أو حتى يحاولون التقليل منها إلى الاقتداء بشجاعة والد الجميع خادم الحرمين الشريفين الذي لم يتردد للحظة في زيارة منازل الفقراء بنفسه لتلمس احتياجاتهم ومعالجة أوضاعهم, وهي منازل لم تنتقل يوماً إلى أي منطقة معزولة على حد علمي!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي