مواسم أربعة وجيوب مرهقة
منذ عدة عقود لم تمر علينا أربعة مواسم متتابعة متلاحقة الواحد بعد الآخر مباشرة كم في هذا العام، فما إن شارفت الإجازة الصيفية على الانقضاء، وهي أول هذه المواسم، حتى جاء شهر رمضان المبارك وبعده عيد الفطر، أعادهما الله على الجميع باليمن والبركات، وخلفهما مباشرة بدء العام الدراسي الجديد, وجاء تتابع هذه المواسم الأربعة في وقت صعب تعاني فيه شريحة كبيرة من الناس موجة الغلاء، فكل موسم من هذه المواسم له مصروفاته ومتطلباته المادية التي يصعب التقصير فيها، فإجازة الصيف وما تتطلبه من فسح وترفيه ومشاركة في مناسبات أسرية واجتماعية عديدة كحفلات الزواج له مصروفاته، وشهر الصوم وما يستلزم من تأمين احتياجات مختلفة تختلف عن احتياجات بقية الشهور الأخرى، أما عيد الفطر المبارك فحدث ولا حرج، فأيامه تفرض على رب الأسرة مضاعفة الصرف لإسعاد أهله وأبنائه لترجمة فرحة العيد وأيامه البهيجة بالفسحة والترفيه، وبعد انصراف هذه المواسم بكل ما كلفته من مصروفات لن تلتقط الأنفاس ويخف الحمل على الجيوب ويتوقف نزيفها بالمصروفات، فمباشرة سوف يدخل الناس معمعة بدء العام الدراسي، وجميعنا نعلم أنه من المواسم التي تتطلب مصاريف تفرض على رب الأسرة تجهيز أبنائه وبناته بشراء لوازم الدراسة المختلفة من دفاتر وأقلام وحقائب مدرسية وغيرها من الأدوات الدراسية المطلوبة.
لا شك أن هذه المصادفة، غير المريحة بالطبع لكثيرين، في تتابع مواسم أربعة كل منها له أعباء ومتطلبات يصعب التقصير فيها, التي تزامنت مع حالة غلاء غير مسبوقة حملت شريحة واسعة من الناس عبئا ماديا كبيرا نتيجة المصروفات المستمرة خلالها، ونتيجة لذلك من ناحية وعلى ثبات الدخل وتصاعد الغلاء وارتفاع تكلفة السلع والخدمات المختلفة من ناحية أخرى، استهلكت الغالبية كل دخولها ومدخراتها في الصرف على متطلبات تلك المواسم بما سيؤدي حتماً لأن يتأثر مستوى معيشتهم سلباً طول العام بسبب الاستنزاف المستمر لدخولهم خلال أشهر المواسم الأربعة، وسيضطرون لتقليص عديد من احتياجاتهم والاستغناء عن بعضها لضغط المصروفات وحتى لا يدخلوا في مرحة إفلاس أو عجز لمواجهة حالات طارئة. وما زاد الطينة بلة شديدة ما تعرضت له سوق الأسهم بعد عودتها للعمل بعد إجازة العيد، فقد كان البعض ممن لا يزال يبني أحلاما وردية عليها، يتوقع أن تنتعش بعد العيد حين يستقر الناس ويتفرغون للعمل والكسب، ويجني أرباحا مما تبقى لديه من أسهم يعوض فيها ما تحمله من مصروفات وتدعمه في مواجهة المتطلبات المعيشية، إلا أن سوق الأسهم خيبت الآمال وتحولت إلى ما يشبه قصور الرمال التي تذوب وتضمحل مع أول موجة تغطيها، وجاء ذلك على وقع الأزمة الاقتصادية العالمية التي لم نفهم كيف تأثرت منها سوق أسهمنا أكثر مما تأثرت أسواق الدول التي وقعت في عين عاصفتها، مع تأكيدات مسؤولي مؤسسة النقد الدائم بأن اقتصادنا في مأمن من تأثيرات تلك الأزمة وأن تأثره سلباً منها سيكون محدودا، إلا أن افتتاح سوق الأسهم بعد العيد حمل كارثة مالية لمن يسمون صغار المساهمين، وهم بالتحديد أفراد الطبقة الوسطى ذوي الدخل المحدود، الذين يوجعون من مثل هذا الهبوط السريع والكبير الذي لا يستفيد منه إلا كبار مساهميه ومنهم هواميره ممن يملكون رأسمال فائضا وكاف لجعلهم يميلون مع كل اتجاهات السوق السلبية والإيجابية بكل أمان واطمئنان بل وتسل..!!
ما يضاعف من الأزمة الناتجة من تتابع مواسم كل منها له مصروفاته والتزاماته، فقداننا كمستهلكين ثقافة استهلاكية مسترشدة ومتوازنة، فما زلنا حتى اليوم متأثرين بأجواء الطفرة الأولى التي كان من أسوأ نتائجها الاستهلاك غير المقنن المرتبط بالحاجة الشخصية والعملية، والاستهلاك المقنن ليس معناه أن نقصر ونبحث عن الرديء هربا من مرتفع الثمن، بل يعني أن نستهلك وفق حاجتنا وما يلبي متطلباتنا وليس رغباتنا أو عيون الناس الآخرين، وهذه النظرة الاستهلاكية انسحبت على التجار حين يقومون باستغلال المواسم برفع الأسعار وهم يدركون أن أغلبنا لن يجادل ويفاصل ويتعب نفسه بالبحث عن المتوافق مع احتياجاته. ولننظر هذه الأيام كيف تعمل محال القرطاسيات والمكتبات في موسم بدء العام الدراسي وهو موسمها الذهبي وتقوم برفع الأسعار بحجة العرض والطلب.
في الختام أقول كان الله في عون الناس, خاصة المنتمين للطبقة الوسطى وجلهم من الموظفين والعاملين, وهم مرهقون ماديا من تلك المواسم وخاتمتها موسم العام الدراسي، أدعوا هنا إدارات المدارس على وجه التحديد, خاصة في مدارس البنات إلى أن يخففوا من طلباتهم أو على الأقل ألا يلحوا في طلبها ويعطوا مهلة كافية لأولياء الأمور لتأمينها، وأن يقدروا ظروف الناس المادية ولا يضغطونهم بالطلبات المكلفة والعاجلة، وأقول لأصحاب القرطاسيات والمكتبات أرفقوا بالناس ولا تعصروا جيوبهم بمغالاة الجشع, الذي لن ينفعهم.