مهارات العصر ودور التعليم
تحدثنا في موضوع سابق حول "المعلومات العامة ودور التعليم". ونأتي هنا إلى موضوع لا يقل أهمية، ألا وهو "مهارات العصر الأساسية ودور التعليم". فالمعرفة التي يُقدمها التعليم ليست معلومات فقط تُقدم الحقائق، وتُحدد المتطلبات، وتُناقش الأفكار؛ بل هي أيضاً مهارات أساسية يجب أن يُتقنها المُتعلم، ويعرف كيف يستخدمها. وكثيراً ما نسمع تقسيمات للمعرفة تقول إن هناك معرفة نظرية تهتم بمعرفة "لماذا" بمعنى الفهم والمُناقشة والتفسير؛ ومعرفة عملية تهتم بمعرفة "كيف" بمعنى تنفيذ الأعمال المُختلفة، وتحقيق الفوائد من خلال هذا التنفيذ. وللمعرفة النظرية أساسيات هي "المعلومات العامة"، كما أن للمعرفة التطبيقية أساسيات أيضاً هي "المهارات الرئيسة".
ولاشك أن مسألة "المهارات الرئيسة"، التي يحتاج إليها إنسان هذا العصر، ينبغي أن تكون عاملاً مهما من عوامل تطوير التعليم الذي نتطلع إليه جميعاً. وتتحدث إحدى خبيرات هذا الموضوع، نولا بيك Nuala Beck عن هذه المسألة في كتابها "النمو في الاقتصاد الحديث"، وتُحدد أربع مهارات رئيسة تعتبرها المهارات الأهم في هذا العصر. وتُقدم هذه المهارات على أنها: مهارة الاتصال، بما في ذلك القراءة والكتابة بشكل صحيح، والتحدث والتعامل مع الآخرين؛ ومهارة استخدام تقنيات المعلومات، وعلى رأسها بالطبع الحاسوب والإنترنت؛ ومهارة إجراء العمليات الحسابية الأساسية وتطبيقها في شؤون الحياة؛ ثُم مهارة العمل ضمن فريق بمشاركة الآخرين. وهناك بالطبع من يُضيف إلى المهارات السابقة مهارات رئيسة أخرى تشمل: التعامل مع تقنيات مهمة، غير تقنيات المعلومات، وعلى رأسها التقنيات المنزلية؛ ومهارة التعامل بلغات أجنبية أخرى، وعلى رأسها اللغة الإنجليزية.
ولا شك أن هناك مشكلات في هذه المهارات الرئيسة، ليس في المملكة أو الدول العربية الأخرى فقط، بل على مستوى العالم أيضاً. فحديث "نولا بيك" عنها، في كتابها، كان بسبب وجودها في الدول الغربية. ونحن هنا أيضاً نشعر بها، وهناك أمثلة عديدة على ذلك.
في جامعاتنا في المملكة هنا، كثيراً ما نجد أساتذة سعوديين، وأساتذة عربا من جنسيات أخرى، يرفضون الكتابة باللغة العربية، بحجة أنهم لا يجيدونها. بالطبع يجيدون الحديث بالعربية، لكنهم يفتقرون إلى القدرة على الكتابة الصحيحة باللغة العربية. لكنهم في المقابل يجيدون الكتابة باللغة الإنجليزية؛ لماذا؟ لأنهم تعلموا الكتابة بهذه اللغة من أجل كتابة رسائلهم البحثية في مرحلة الدراسات العليا. وهذا يدل على أن تعليمنا نجح في تقديم مُخرجات تُجيد القراءة، لكنها للأسف لا تُجيد الكتابة، كما هو مُتوقع. ومن يجيد الكتابة بالعربية يكتسب ذلك من خلال اهتمامه وتدربه الشخصي، وليس عبر التعليم النظامي.
لا شك أن التعليم في وضعه الراهن، يُعطي الطالب أسس الكتابة "كمعلومات عامة"، لكنه لا يُكسبه القدرة على الكتابة بالشكل المطلوب "كمهارة رئيسة"، وهذا بالطبع قصور ينبغي تلافيه. والكتابة بالطبع مسألة أساسية في مُختلف مجالات الحياة، وفي شتى المهن. وما يحتاج إليه الإنسان في حياته العامة والمهنية هو مهارة الكتابة المبنية على المهارات الرئيسة وليس المعلومات الأساسية فقط، التي تبقى قاصرة دون تدريب وممارسة وفعل.
طبعاً نحن لا نفتقر إلى مهارة الكتابة الصحيحة باللغة العربية فقط، بل نحتاج أيضاً إلى مهارات رئيسة أخرى. نحتاج إلى تعلم كيفية ممارسة العمل كفريق وليس كأفراد، ونحتاج إلى معرفة كيفية استخدام تقنيات المعلومات بفاعلية، ونحتاج إلى تنفيذ العمليات الحسابية والرياضية بشكل تطبيقي على المشكلات التي تُصادفنا في الحياة، ونحتاج إلى اللغة الإنجليزية كوسيلة للتعامل مع مُعطيات العصر، ونحتاج إلى التعامل مع التقنيات المنزلية، ونحتاج إلى مهارة التعامل مع الآخرين بأخلاق راقية في كل زمان ومكان ومع جميع الطبقات والجنسيات، وربما نحتاج إلى مهارات مُختلفة أخرى.
والأمل كبير أن يتنبه القائمون على تنفيذ مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم إلى كل ذلك، وإكساب المعلمين والمعلمات هذه المهارات، وأن يتنبهوا أيضاً إلى ما لا نحتاج إليه في المناهج القائمة حالياً، علنا نستبدل ما لا حاجة لنا به بما نحتاج إليه بالفعل.