التقنية لتسريح الموظف أم تحريره؟
أتذكر يوما وعند كتابتي في إحدى الصحف المحلية الامتعاض من إرسال مقالاتي عن طريق البريد الإلكتروني وكان يطلب مني أن أرسلها عبر الفاكس لأسباب قيل لي إنها فنية. وبعد تكرر أخطاء الصف طالبت بأن يتم اعتماد البريد الإلكتروني ولو على الأقل لمقالاتي، ورغم إرسالي المقالات بالبريد الإلكتروني فقط، إلا أن أخطاء الصف وخصوصا فيما يتعلق بالمصطلحات الإنجليزية أثارت استغرابي! وتساءلت عن سبب ذلك، فقيل لي إن المقالات القادمة عبر البريد الإلكتروني يتم إرسالها إلى الطابعة ومن ثم صفها من جديد!!! وفهمت أن هناك أسبابا إنسانية خلف هذا التصرف لإبقاء وظائف الكتبة الذين أصبحوا يكرهون البريد الإلكتروني ويشعرون بتهديده لمستقبلهم. فهل بالفعل ستهدد التقنية كل من يقوم الآن بالأعمال اليدوية التي آخذة في التحول إلى التنفيذ التلقائي عن طريق تطبيقات وأنظمة الحاسبات؟
إن زيادة الاعتمادية على التقنية والحاسبات وتطبيقاتها المختلفة ستتسبب في تغيرات جذرية في الطريقة التي ندير بها أعمالنا ومهامنا وموظفينا. تطرقت قبل أسبوعين بأنه يجب على المنظمات تبني استراتيجية جديدة في تسخير التقنية لخدمة أعمالها وهذه الاستراتيجية تتلخص ببساطة في أن يتم المزج بين نقاط القوة الموجودة في البشر وتلك الموجودة في الكمبيوتر.
فنستخدم الكمبيوتر أو تقنية المعلومات للقيام بأفضل ما يميزه وهو معالجة الأعمال المتكررة والروتينية أي الأعمال المملّة, مثل طلبات الشراء والفواتير، وطلبات الإجازة وتدقيق الأرقام والبحث في الأرشيف إلخ...، أي أنه طالما هناك موظفون يقومون بأعمال روتينية فإنه من الأفضل أن يتم أتمتة هذه الأعمال، حيث إن الكمبيوتر يقوم بهذه الأعمال بطريقة أفضل (أسرع وأرخص وأدق). وليس بالضرورة أن يتم تسريح أولئك الموظفين، بل يتم تأهيلهم وتدريبهم للتعاطي مع التقنية والقيام بأدوار أهم يتميزون بها وهو التفكير والتحاور من أجل حل المشاكل، وحتى نستفيد من قدرات الموظفين الذين لدينا في القيام بهذا الدور فإنه يجب علينا أن نقوم بتحريرهم من الأعمال الروتينية القاتلة للإبداع ومن ثم تدريبهم على بعض المهارات المفيدة في تطوير أعمال المنظمة وبالتالي الاستفادة الأفضل منهم.
ولكن السؤال الذي قد يتبادر هنا هو: هل عملية تحرير الموظف من أعباء الأعمال الروتينية يعني تغيير الدور أو الوظيفة التي يقوم بها في المنظمة أم الحفاظ على نفس دوره؟
في الحقيقة الإجابة عن هذا التساؤل يتطلب منا العودة لنقطة البداية، وهي كيف نقوم بالمزج الأمثل بين البشر والكمبيوتر من أجل خدمة أفضل لأعمالنا وعملائنا؟ إن عملية المزج هذه يجب أن تكون مبنية على أساس الفوائد المشتركة، أي أننا لا نريد أن نبني نظاما مختلفا جذرياً عما اعتاد عليه الموظفون بشكل مفاجئ من خلال هندرة "إعادة هندسة" الإجراءات التي اعتادوا عليها وبالتالي نكسب عداوتهم، وإنما نريد أن نكسب فكرهم وولاءهم لنا من أجل أن نستفيد منهم في تطوير أعمال المنظمة. بل لابد من القيام بهذا التحول بشكل تدريجي ومدروس ووفق خطة زمنية تضمن الانتقال المرحلي الذي يتناسب مع التدريب والتطوير والاعتياد على المهام الجديدة.