جهل القرن الواحد والعشرين
أيها القراء: إن الجهل بأحكام الشريعة ضرب بأطنانه في زمن القرن الواحد والعشرين في زمن التطور التقني والتقدم الحضاري فصار الناس يتفلتون من الأحكام بأدنى شبهة تصدر من دعي أو ناعق.
ولو كل كلب عوى ألقمته حجرا لأصبح الصخر مثقالا بدينار
حتى صرنا في زمن شكك فيه بأصول الدين بحجة أنها لا توافق العقول فولجوا من هذا الباب لأحكام الزكاة والمرأة والمعاملات والجهاد, وهذا مدخل خطير وسبب لهدم الدين ومخالف لما يجب أن يكون عليه المؤمنون الصادقون. يقول سبحانه "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" وقال سبحانه "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون".
أيها القارئ الكريم إنه عند النظر في كلام العلماء, رحمهم الله, وبيانهم لأحكام الجهل الذي يكون عذرا والجهل الذي لا يعذر به صاحبه رأيت أن من أحسن من تكلم عن هذه المسألة الإمام القرافي, رحمه الله, في كتابه "الفروق" فقال رحمه الله: اعلم أن صاحب الشرع قد تسامح في جهالات في الشريعة فعفا عن مرتكبها وأخذ بجهالات فلم يعف عن مرتكبها وضابط ما يعفى عنه من الجهالات, الجهل الذي يتعذر الاحتراز منه عادة وما لا يتعذر الاحتراز منه ولا يشق لم يعف عنه ولذلك صور:
أحدها: من وطئ امرأة أجنبية بالليل يظنها امرأته عفي.
ثانيا: من أكل طعاما نجسا يظنه طاهرا فهذا جهل يعفى عنه لما في تكرر الفحص عن ذلك من المشقة والكلفة وكذلك المياه النجسة لا إثم على الجاهل بها.
ثالثا: من شرب خمرا يظنه عصيرا فلا إثم عليه في جهله بذلك.
رابعا: من قتل مسلما في صف الكفار يظنه حربيا فإنه لا إثم عليه في جهله به لتعذر الاحتراز عن ذلك في تلك الحالة ولو قتله في حال السعة من غير كشف عن ذلك أثم. وفي هذا قال الفقهاء "لا يقبل في دار الإسلام العذر بجهل الأحكام".
خامسا: الحاكم يقضي بشهود الزور مع جهله بحالهم لا إثم عليه في ذلك لتعذر الاحتراز منه.