الإعلام اللاعب الخطير..

<a href="[email protected]">[email protected]</a>

لا يمكن لأحد "إلا من سفه نفسه" أن ينكر دور الإعلام في التأثير في معارف ومواقف وسلوكيات المجتمع جماعات وأفراد، لذلك ما انفكت المؤسسات بأنواعها عامة أو خاصة أو غير ربحية تسعى لتوثيق علاقاتها مع المؤسسات الإعلامية عموما والإعلاميين على وجه الخصوص حيث تسعى لمد الجسور القوية المشكلة لقاعدة صلبة للتعاون والتنسيق والتكامل لتحقيق ما تصبو إليه من أهداف.
ولا ينكر أحد أن الصحافة رغم سيادة العنصر الوطني المخلص الذي يهدف لتحقيق مصلحة مؤسسته الصحافية بتحقيق مصالح العملاء والمصلحة العامة، إلا أنها في نهاية الأمر تشكل وعاء يمكن أن يوضع فيه الغث والسمين ويمكن اختراقه من قبل البعض الذي يهدف لتحقيق أهداف خاصة على حساب الأهداف العامة فيملؤه بكل ما هو ضار بالمستمع أو القارئ وإن بدا خلاف ذلك، كما يمكن أن يملأ هذا الوعاء بما هو غير مناسب رغم حسن نية من يملؤه لنقص في المعرفة أو ضعف في المهارة أو بسبب سرعة مخلة تنفي التثبت من دقة وصحة المعلومة أو الخبر.
كما لا يمكن أن ننكر أن الإعلام بتوسع وسائله بعد دخول الإنترنت معظم بيوتنا وحصوله على حصة مناسبة من سوق الوسائل الإعلامية، لا يمكن أن ننكر أننا أمام أشباح تستخدم أسماء مستعارة تخلط السم بالعسل لتحقيق أهدافها على حساب المواطن البسيط الذي يحتاج إلى كم هائل من المعارف والمهارات لكي يتقي شرورهم.
إذا اعترفنا بهذا من جانب، فيجب علينا أن نعترف أيضا ونحن نتحدث عن سوق الأسهم وأسباب انهياره ألا ننكر أن هيئة السوق المالية لم يكن لديها موقف واضح وثابت من تحديد علاقتها مع وسائل الإعلام وكيفية التعامل معها وآليات التواصل المثمرة المحققة لأهداف الطرفين والمحققة للمصلحة العامة، مما أنشأ جفوة أفرزت مشاكل متعددة أهمها تبادل الاتهامات بين الهيئة والإعلام بالتلاعب بنفسيات المتداولين في سوق الأسهم فضلا عن ترك الفضاء الإعلامي مفتوحا لكل عالم ومتعالم وصاحب هوى أو صاحب مصالح يريد تحقيقها وإن خربت روما دون أن يجد مصدرا إعلاميا رسميا يردعه، والتي نأمل من الرئيس الجديد لهيئة السوق المالية الإسراع في معالجتها، إذ لا بد للهيئة من أن تنفتح أكثر على وسائل الإعلام وتتواصل معها بشكل منتظم.
مما سبق أريد أن أخلص إلى نتيجة مهمة وهي أن الطرح الإعلامي رغم أهميته وفاعليته في تشكيل الرأي وتوجيهه عند الناس خاصتهم وعامتهم وبدرجات متفاوتة لم يرتق للمستوى المطلوب مما أسهم مساهمة كبيرة في دفع السوق إلى أعلى بشكل جنوني وحاد ثم ما لبث أن عزز هبوطه الحاد بقصد أو دون قصد بسبب الطرح المتواضع للأزمة نتيجة لضعف إمكانيات الصحافة الاقتصادية في بلادنا إضافة إلى محدودية تواصل هيئة السوق المالية مع وسائل الإعلام، وإن بدأت تتجه إلى الأفضل في الفترة الماضية، التي نرجو أن تتطور كحل مثالي لمكافحة الإعلام السلبي.
وقد يقول قائل كيف أسهم الطرح الإعلامي المتواضع في أزمة سوق الأسهم؟ وأقول لنتساءل كيف كان سلوك وأداء الأخبار والتقارير المنشورة في وسائل الإعلام إزاء هذه الأزمة؟ هل أسهمت تلك التقارير والأخبار في تأجيج الأزمة أم تقديم المعالجات اللازمة لها؟ هل حملت لنا التقارير والأخبار الإعلامية رؤية علمية ومنهجية محايدة وصحيحة عن الأزمة؟ أم كانت رؤاها عشوائية ومضطربة وأحياناً تخدم أهدافا مجهولة؟ هل ساهمت في تطمين الناس وتبصيرهم ليتخذوا قراراً صحيحاً عند تأرجح السوق؟ أم تسببت في إشعال الفتيل ورفع وتيرة القلق النفسي عند الناس أكثر وأكثر؟
كلنا لديه قدر من الإجابة على هذه التساؤلات إن سلباً وإن إيجاباً، وعلى الرغم من أننا لا نستطيع إصدار حكم عام على كل ما كتب - فهناك الغث والسمين - لكننا من خلال تعاطينا اليومي مع أخبار وتقارير وسائل الإعلام عن الأسهم والسوق المالية المقروءة والمرئية والمسموعة نستطيع القول إلى أن هناك دوراً فاعلاً ومؤثراً لما كتب وقيل في وسائل الإعلام على نفسيات الناس وقراراتهم سواء المتعاملين في السوق أم الذين خارجه.
فقد رأينا كيف طبّلت كثير من الكتابات الإعلامية عند ارتفاع أسعار الأسهم؟ ثم كيف كان يرتفع عويلها عند الانخفاض المثير؟ حتى المحللين الماليين لم يسلموا من هذا التخبط، ولم تكن هناك إلا أصوات قليلة تشخص المشكلة بطريقة منهجية بعيداً عن الانفعال العاطفي أو التوجيه المشبوه.. لكن الكثير مما تم تقديمه مما كتب وقيل في وسائل الإعلام اتسم بالخطاب المستجيب لردود الأفعال غير المتزنة إزاء تقلبات السوق ولم يخرج في الغالب عن كونه تأوهات عواطف أو بحثاً عن المثير لجلب المزيد من القراء والمشاهدين والمستمعين.
وبنظرة إعلامية مجردة ومن خلال الاطلاع على تلك التقارير والأخبار يأسف المطلع حين يجدها ركيكة الأسلوب تفتقد المعرفة بمكونات ومعايير الاقتصاد الكلي والجزئي ولفهم آلية عمل السوق المالية ويغيب عنها تماماً المهنية والتحليل العلمي إلا فيما ندر. وحين تبحث عن الأسباب تجد أن أبرزها هو غياب الصحافي المتخصص المحترف.
إن الافتقار إلى الصحافيين المحترفين في الجوانب الاقتصادية والمالية لعب دوراً كبيراً في أزمة سوق الأسهم وتسبب في فقدان الثقة فيما يطرح من تحليلات وآراء.. وبالتالي في السوق المالية برمتها. حيث غابت إلى درجة كبيرة الرؤية المهنية والتحليل الصحافي العلمي الدقيق عن معظم التقارير والأخبار المنشورة في وسائل الإعلام، وراجعوا ما كتب واسمعوا بعض مراسلينا كيف يحللون السوق في تقاريرهم اليومية؟ وستروا العجب العجاب.
إنه من غير المعقول أن تصنف سوقنا المالية ضمن أول 50 سوقاً في العالم ولا يوجد بها الصحافي المتخصص في أسواق المال، ومن غير المعقول أيضاً أن نكون في بلد يصنف على أنه من أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم ولا يوجد فيها الصحافي المتخصص في الشؤون النفطية.. بل لا يجوز أن نكون كذلك ولا يوجد المنهج العلمي الذي يدرس في جامعاتنا وكلياتنا الإعلامية ليعلم الطالب فنون التحرير المتخصص في أسواق المال والاقتصاد بشكل عام.
واللوم هنا لا يقع على الصحافيين فقط فالمسؤولية تتحملها جهات عدة منها أقسام وكليات الإعلام التي لم تؤهل خريجيها تأهيلاً علمياً صحيحاً في هذا الجانب، وكذلك هيئة الصحافيين السعوديين التي لم تكلف نفسها عناء البحث عن تطوير الأداء الصحافي المهني لصحافيينا وصحفنا، والجزء الأكبر تتحمله الصحف نفسها التي من المفترض أن تعمل جاهدة على تأهيل العاملين في أقسامها الاقتصادية والمالية إن كانت حريصة على جذب القراء وتقديم خدمة متميزة لهم وللمجتمع وأعتقد أنها كذلك.
ومما يحسن ذكره في هذا الاتجاه ما قرأناه قبل نحو شهرين من قيام هيئة السوق المالية بالتعاون مع هيئة الصحافيين السعوديين بتدريب مجموعة من الصحافيين السعوديين في الرياض وجدة والدمام على فنون وقواعد التحرير المالي، وهي خطوة مشكورة للهيئتين لكنها غير كافية ويجب أن تتبعها دورات وبرامج تدريبية متخصصة تنفذها الصحف وهيئة الصحفيين وأظن أن هيئة السوق المالية يمكن أن تساهم في ذلك بالدعم المادي وهيئة السوق المالية يهمها جداً إيجاد سوق مستقرة ومتطورة ولا شك أن وجود الصحافي المحترف سيسهم في ذلك بشكل كبير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي