هجوم "ثقافي" من وزارة التجارة والصناعة
حضرت اجتماع لجنة المعارض السعودية يوم الأحد السابق في مجلس الغرف السعودية، وكان اللقاء مع الأمين العام الدكتور فهد السلطان واضحا وصريحا حول تفعيل أعمال اللجنة، إلا أنه من حديثه كأنه يريد أن يقول إن وزير التجارة والصناعة يدعم ويدعم بأن يأخذ مجلس الغرف السعودية دوره بحرية ودون تعقيد في إثبات دوره أمام القطاع الخاص، ويطالب بأن تأخذ اللجان المنبثقة من مجلس الغرف السعودية المبادرة، حيث أشاد بنجاح اللجنة الصناعية ودورها القيادي في حل معوقات الصناعة. وتسأل: هل نستطيع استغلال الفرصة في باقي اللجان بصفة عامة وفي لجنة المعارض بصفة خاصة؟
حديث عملي وكذلك واقعي وله مقال آخر، ولكن وأنا أستمع إليه أتذكر كلمة الوزير في عدة مناسبات وهو يردد في حديثه العام: متى يتحرك القطاع الخاص؟ حيث من الواضح أن الوزير مشغول فيما يشبه أن هناك أمورا أهم لدى الوزارة وهي تثقيف القطاع الخاص، الذي تعده وزارة التجارة والصناعة بهدف رفع درجة الاستعداد لدى رجال الأعمال والمستثمرين بعد الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، حيث أسميه هجوما ثقافيا لأن كل محاولات الإيحاء فشلت. وأعتقد أن صاحب الخطة هو مهندس صفقة الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية الدكتور هاشم يماني، وينفذ خطته رئيس فريق التفاوض الدكتور فواز العلمي.
وقبل المضي في تناول تلك الهجمة الثقافية، لا بد من الإشارة إلى بعض المعلومات التي ربما لا يعرفها الكثيرون، فالوزير يماني وقبل أن يتولى رسمياً ملف انضمام بلاده إلى المنظمة الدولية حينما كان يتولى حقيبة الصناعة، كان أشد الوزراء حرصاً على المتابعة والمشاركة، ويعلم جميع من عمل معه في فريق وزارة الصناعة، أنه كان يعقد اجتماعاً دورياً كل أسبوع، وتحديداً يوم السبت ليستمع إلى الآراء والنقاشات، وحتى في زياراته الخارجية مع رجال الأعمال كان يطرح كل مناقشته على طاولة النقاش، ويطرح تصوراته ويستقبل الآراء في كل اللقاءات التي كان يحضرها مع رجال الأعمال، والميزة أنه يرسل إشارات واضحة لما سيقدم عليه القطاع الخاص.
ولعلي هنا استميح الوزير في كشف حوار جانبي بسيط استرقت فيه السمع، ودار بينه وبين أحد أصحاب مصانع البلاستيك في جدة قبل أعوام عدة في منزل أحد رجال الأعمال، إذ كان صاحب المصنع يناقشه حول أسعار المواد الخام وصعوبة التسويق، وكيف يمكن مواجهة ذلك، فرد عليه الوزير يماني: أنصحك بتجميع كل من تعرفه من أصحاب المصانع وحاولوا الاندماج في وقت باكر، فعصر منظمة التجارة العالمية يتطلب تحالف الأقوياء.
ويمكن القول أيضاً إن مما يحسب للوزير يماني هو إخراجه ملف انضمام بلاده إلى منظمة التجارة العالمية من "الأبواب المغلقة" إلى "العلن"، معززاً بذلك مبدأ "الشفافية"، فحتى منتصف عام 2003 كانت سلسلة المفاوضات "غائبة" ولم يكن أحد يعلم أين وصلنا بالتحديد، على رغم أننا كنا نعلم جيدا أن المشوار ليس بالسهل أبداً. وحقق الوزير حينها أمنيات القطاع الخاص في الاطلاع على "بئر الأسرار"، حيث كان القطاع الخاص هو المعني بجزء كبير من حقوق وواجبات الانضمام إلى المنظمة العالمية. وتسبب غياب المعلومات في تشكيل "ضبابية" كبيرة خلال الفترة الماضية لدى الكثير من الشركات، خصوصاً تلك التي تشكل "الشراكة" جزءا كبيرا من عملها. ولسنا مبالغين إذا قلنا إن بعضاً من الشركات قررت تأجيل الاستثمار الدولي حتى تتضح الصورة أمامها!
وما دمنا في ملف المنظمة العالمية، فإن ملف الرقابة يبدو واحداً من المسائل المهمة والملحة التي أدركتها وزارة التجارة والصناعة باكراً، فالانضمام سيعني مزيداً من الانفتاح التجاري للواردات، وهكذا رأينا أول تحرك رسمي من نوعه بهدف مطاردة السلع المقلدة، فوزارة التجارة والصناعة هي خط الدفاع الأول والأخير لحماية المنتجات المحلية من ممارسات "الإغراق" الذي يتوقع أن يكون مثل السيل الجارف، فالإغراق في حال الانضمام لن يكون مثل قضية "السيراميك" الإسباني والخزف السعودي، بل ستكون هناك ممارسات قاسية يجب أن تتضافر فيها الجهود، ليس فقط لمنع الإغراق بل تمتد أيضاً لمنع دخول المنتجات غير المطابقة للمواصفات السعودية التي قضينا أعواماً عدة حتى يعترف الجميع بها. وكلنا يعلم هنا أن هيئة المواصفات والمقاييس ليست لها سلطة في منع دخول وتسلل المنتجات غير المطابقة للمواصفات السعودية.
نحن نريد المنافسة بين المنتج الجيد والجيد، وليست القضية أن السلعة الجيدة تطرد الرديئة من السوق، فكم من منتجات رديئة خرجت من السوق لكنها كبدت خسائر بالملايين للمنتج الجيد سواءً المحلي أو الأجنبي.
وعودة أخرى لهجمة "التثقيف"، فالدكتور فواز العلمي، يمثل الوزير بشكل عملي، وهو واحد من جيل "التكنوقراط"، ما يعني أنه ربما سيكون مسؤولاً عن "وعي" الآخرين أو "جهلهم".
ختاما فإن الكرة هنا ستكون في ملعب رجال الأعمال ومسؤولي الشركات، حتى لا نصل إلى "سبق السيف العدل"، إذ إن رئيس فريق التفاوض سيكون على استعداد كامل في كل اللقاءات للإجابة عن كل سؤال يدور في ذهن رجل أعمال عن كيفية التعاطي مع المنظمة.
وبصفتي رجل أعمال وقانونيا، أود وضع هذه الأسئلة باكراً على طاولة الوزير يماني ورجله الأول في المواجهة: هل هناك تنسيق مع وزارة العدل وهيئة الاستثمار حول نقطتين، وهما:
1) كيفية التقاضي والترافع في تنفيذ الأحكام الأجنبية في ظل الانضمام؟
2) هل هناك فرص استثمارية واعدة وجديدة بعد الانضمام؟