احتياجات التنمية .. والإصلاح المطلوب

تحديات التنمية كثيرة, أبرزها من وجهة نظري, قدرة المؤسسات الحكومية على الإنجاز وجاهزيتها لمجاراة السباق التنموي. وأعتقد أن أكبر معوق للتنمية المستهدفة نتيجة الطفرة التي تعيشها المملكة سيكون من نصيب المؤسسات الحكومية, وهذه المعوقات متعددة, فحيث الفساد الإداري يستشري تجد المغذي الرئيسي له, وهو التعقيد الحكومي والإجراءات البيروقراطية في ازدياد, وبين هذا وذاك نجد الأداء التنفيذي الحكومي ذا وتيرة معوقة عرجاء.
عندما أحلم .. لا أجد حلماً ألذ ولا أطعم من معاملة حكومية أبدأها وأنهيها في اليوم نفسه من زيارة واحدة فقط ومن خلال تعليمات واضحة وسهلة وممكنة, وبدون معقب أو طرق ملتوية, وعن طريق موظف أمين صادق مبتسم متفاعل يفرح بخدمته لك ويخلص في نصحه وعمله يتميز بالقوة والأمانة والانتماء والمسؤولية, لكن . . للأسف. . يتبدد الحلم عندما أصحو وأعيش الواقع!

حتى لا يفهم مقالي خطأً فالمقصود بالموظف الحكومي أي موظف يعمل في الدولة لخدمة الآخرين, ومن أمثلة ذلك مفتش البلدية وضابط الشرطة ومدير المدرسة والمعلم وجندي المرور والطبيب والصيدلي والممرض وكاتب العدل والقاضي وقائد الدورية وموظف الجمارك ومدير إدارة في مصلحة المياه ووكيل وزارة في وزارة التربية والتعليم ورئيس شعبة في ديوان الخدمة المدنية, وسأجد نفسي مرغماً أن أضع في مصاف هؤلاء الموظفين في الشركات الكبرى مثل موظفي "الاتصالات" وموظفي "الخطوط السعودية" الذين يعتزون بخدمتنا في كل مرة يهينونا فيها, كما أن الوزير أيضا موظف حكومي وإن كان برتبة في. آي. بي VIP.
في كل مجلس حتى لو كان اجتماعاً رسمياً, لا يخلو الحديث من شكوى مباشرة وغير مباشرة من الروتين والفساد والبيروقراطية وثقافة الأداء الحكومي, والطريف في الأمر أن كل قطاع يجرح ويعدل في القطاع الثاني, فموظف البلدية يشتكي من موظف المرور وموظف المرور يشتكي من موظف "الخطوط السعودية", وهذا وذاك يشتكيان من موظفي وزارة الصحة, والجميع يشتكون من موظفي الاستقدام .. إلخ. وكل يعيب الآخر بالعيوب التي فيه, فالأول فاسد والثاني معقد والثالث ما يخدم إلا بالواسطة والأغلب ما يداوم ومنهم من شعاره (راجعنا بكرة) .. إلخ. وللأسف لو تبادل هؤلاء المواقع لكان واقعهم أسوأ وحالهم أبأس, ويلخص ذلك كله المثل الشعبي القائل "الشبكة تعير المنخل".
إن كان حديثي السابق قاسياً فإنني لا أعممه على الجميع, فهناك الكثير من المواطنين الصالحين الأمناء العقلاء, إن كنت أعرف بعضهم فالكثير منهم لا أعرفهم ولا تعرفونهم, ولكن الله يعرفهم, ويحضرني هنا مثال صارخ على استخدام الحكمة للتغلب على النظام الجامد لتحسين الإنتاجية, الأستاذ سعيد الغامدي كان مديراً للاستقدام في عهد سابق, جاء للاستقدام في عصر ما قبل الكمبيوتر وهو يشتكي من ضعف الإنجاز وبطء الموظفين, بإحصائية بسيطة استخرج متوسط المعاملات التي على كل موظف إنهاؤها يومياً, فما كان منه إلا أن أصدر قراراً يقضي بأن كل موظف ينهي 25 معاملة استقدام يومياً له الحق في مغادرة مكتب الاستقدام حتى لو كانت الساعة العاشرة صباحاً, ووضع الغامدي نظاماً دقيقاً للمتابعة والجودة, وضرب بالأنظمة عرض الحائط . . ماذا كانت النتيجة ؟ الموظفون الذين كانوا يصرفون المراجعين أصبحوا يستقبلونهم على الأبواب، كما زادت الإنتاجية خمسة أضعاف، فيا أهلا وسهلاً بالمخالفات النظامية التي تحسن الإنتاجية وتوفر الوقت والجهد على الجمهور, وتسهم في تلبية حاجات المراجعين.
إن كان من أولوية يجب أن تعطى من قبل المسؤولين على الأصعدة كافة فهي لتغيير الواقع المؤلم للفساد, الذي تأصل في مجتمعنا، وفي رأيي أن أهمية هذا المشروع الإصلاحي الوطني الذي يركز على الإنسان أولى بألف مرة من أي مشاريع جديدة أو بنية أساسية, ويجب إعطاؤه حقه من التفكير والتخطيط والتنفيذ على المديين الطويل والقصير, وعلى جميع المستويات العمرية, في البيت والمدرسة والوظيفة.
لا يمكن أن تنجح التنمية ونقطف ثمرتها إلا بالإصلاح الحكومي، ولن يتم هذا الإصلاح دون إعادة بناء الإنسان .. إنه مشروع الأمة.

<p><a href="mailto:[email protected]">falkassim@fincorpgroup.com</a>

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي