التسامح المطلوب
<a href="mailto:[email protected] ">[email protected] </a>
التسامح وقبول الأخر، والإيمان بأن مثلما لك حقوق، للآخرين مثلها، سواء كانوا من أبناء بلدك أو ملتك أو من غيرهما، هي أمور حث عليها الإسلام وأقرها. ورغم ذلك ظلت الإشكالية الأكبر في زمننا الحالي تصب في كيفية فهم أو حتى العمل وفق مبدأي الرضا والتسامح، وما يتبع ذلك من حسن للخلق تلك التي أرادها لنا ديننا الحنيف عناوين قائمة تعبر عن المسلم الحق.
ومن هذا المنطلق أدركنا أن بلاد الشرق في آسيا كما هي إندونيسيا وماليزيا وما قرب منهما، لم يفتحها المسلمون بحد السيف، بل عبر الرسالة السمحة العظيمة المؤطرة بحسن الخلق، فكان فتحها العظيم الذي جعل منها أكبر تجمع سكاني إسلامي تم بواسطة حسن الخلق والتسامح مع الصدق في المعاملة عبر التجار المسلمين الذين كانوا مثالاً يحتذى بهم خلال معاملاتهم مع الوثنيين في تلك البلاد، فكان أن انتشر الإسلام بأقل الجهد وأعظم المثل.
إذاً فما نحن بصدده يخص أن التسامح أساس في المنهج الإسلامي وعنوان لا ينفصل عنه، يتراءى لك ذلك بوضوح لدى المؤمن الحقيقي الذي يرى أن للآخرين حقوقا. فكيف إذا ما كان هو صاحب الحق ومالك القدرة على الفصل بهذا الحق، وفي الأخيرة أشير إلى أن التسامح قائم ومتداول بآلية إنسانية راقية في مجتمعنا، حتى مع ظهور المنظرين الجدد، ولاسيما أن الجينات الإسلامية الحقيقية مازالت موجودة والفعل قائم لتفعيلها والعمل بها. وتراءى لي ذلك بوضوح من خلال ثلاثة أمثلة قائمة من مجتمعنا قديمه وحديثه أولهما لمواطن سعودي وقبل أشهر قليلة، سأذكر اسمه مع إدراكي أنه لا يرغب في ذلك وهو سعود الدبلان الذي فقد ابنه العشريني البكر جراء حادث سيارة في العاصمة الرياض، حينما همّ الابن "رحمه الله" بقطع الشارع راجلاً وإذا بإحدى المركبات المسرعة ترتطم بجسدة الغض ليكون وداعه للدنيا، فماذا فعل الوالد فوراً وقبل أن يشاهد ابنه ويواريه في الثرى؟ طلب إطلاق سراح صاحب المركبة والعفو عنه .. حتى قبل أن يعرف اسمه وجنسه. فنعم الرجل أنت يا سعود، ونعم التسامح الذي أنت عليه .. وأحسب أنه هو التسامح والمثالية التي منها انطلق المسلمون لتعميم راية التوحيد دون سيف ودون قتال..
والقصة الأخرى يرويها لي أحد المنتمين للشرطة من خلال عمله في المنطقة الشمالية من السعودية، وعن أحد الآباء الذي فجع بوفاة ابنه قبل عدة سنوات جراء مشاجرة، هذا الأب الذي حينما علِم أن ابنه هو من بدأ واعتدى تنازل مباشرة عن الآسيوي القاتل حتى لو أن الأخير لم يكن ينتمي إلى دينه. وأخرى حدثت قبل ثلاثين عاماً وعاشها كاتب هذه السطور حينما اقتحمت مركبة لأحد الإخوة العرب احد الحوائط في الملز وسط الرياض ليدهس الشاب الصغير متعب الحمادي أمام أعين والده وإخوته ليتوفاه الله، فما كان من الشيخ الجليل علي الحمادي والد المرحوم متعب إلا أن دعا الله أمام الجميع بالعوض الصالح وأعلن تنازله فوراً عن المتسبب.
هنا لا نشير إلى أن التسامح الذي نرمي إليه هو تجاوز للحقوق، لكن ما نحن إزاءه ذلك الذي يدعم الفضيلة ويرسي التعاون والمحبة بين الناس، الذي ينطلق ممن هو يملك الإرادة معترفاً بكل ما للآخرين من حقوق وقدرات.
والأكيد أن الأمثلة أعلاه فيها من التدعيم الأخلاقي الشيء الكثير، خاصةً أنها تنبع من موروث ديني عالي القيمة، مشبع بالقيم التي تحث على التسامح، ومؤطر بكل ما يشير إلى أن هذا هو الدين الحق، الذي يشير في الكتاب الكريم إلى أن نبي هذه الأمة عليه أفضل الصلاة والسلام قد بعث ليتمم مكارم الأخلاق، والأكيد أن التسامح إحدى أعلى المراتب الأخلاقية.