موسم القرارات

تلقيت بمزيد من الشكر والامتنان إهداء كريما من اللواء الدكتور فهد الشعلان مدير المعهد الثقافي في وزارة الداخلية من كتابه بعنوان "إدارة الأزمات"، الذي يشرح فيه بأسلوب سهل ومنهجي الجوانب الإدارية للتعامل مع الأزمات والأصول العلمية لاتخاذ القرار. كما يلقي الكتاب الضوء على الجوانب النفسية والاجتماعية للأزمات ودور الإعلام خلال مراحل الأحداث. نحن فعلاً في أمس الحاجة اليوم لاتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
هناك مثلاً قرارات مهمة أمام دول مجلس التعاون، فقد وصلت خسائر دول الخليج إلى قرابة 40 مليار دولار نتيجة انخفاض الدولار. الإمارات العربية المتحدة أعلنت بخجل واضح عن قرارها تحويل 10 في المائة من احتياطي الدولار لديها إلى اليورو بدون تحديد جدول زمني، وهذه طبعاً نسبة صغيرة جداً وبالكاد تكفي لتغطية الخسائر الناجمة عن انخفاض الدولار. من هذا المنطلق أتوقع أن يطرح الاجتماع المقبل للمجلس الاقتصادي الخليجي موضوع السياسات النقدية الخليجية والدور الذي يمكن أن يلعبه اليورو في ظل غياب هيبة الدولار المريض. على الرغم من الخسائر الفادحة والضربات القاضية التي يتلقاها الاقتصاد الخليجي نتيجة ضعف الدولار، أكاد أجزم أن أي قرار لتغيير المعايير النقدية الخليجية هو في نهاية الأمر قرار سياسي وليس بالضرورة اقتصاديا.
من القرارات الاقتصادية المهمة كيفية حل مشكلة ارتفاع سعر السكر في الأسواق المحلية. يبدو أن أسباب المشكلة تشمل زيادة استهلاك السكر بشكل مكثف خاصة في فصل الصيف، وتقليص الاتحاد الأوروبي صادراته من السكر بسبب النظام الأوروبي الجديد للتصدير، وارتفاع أسعار الشحن العالمية، وزيادة الطلب على منتجات قصب السكر. هل هو قرار صائب أن يكون في السعودية مصفاة واحدة فقط للسكر؟ يتطلب هذا الوضع قرارات مستعجلة مثل زيادة الطاقة الإنتاجية والتوسعة لتعزيز مقدرتنا على مقابلة الطلب المتزايد على منتجات السكر. نأمل ألا يضطر كتبة المعاريض للوقوف صفوفاً طويلة أمام الوزارة المعنية طلباً لحل هذه المشكلة كما هو الحال مع المراجعين لحل قضايا الشيكات بدون أرصدة، وجلسات المنازعات التجارية، والإجراءات المعقدة لتأسيس عقود الشركات.
من القرارات التي كان لها تداعيات مهمة، استقالة رئيس مجلس إدارة غرفة جدة. النظام ينص على أنه في حالة انسحاب عضو منتخب يحل مكانه أكثر المرشحين حصولا على الأصوات وإذا كان العضو المنسحب من المعينين فإن تعيين البديل يكون بقرار من وزير التجارة. يبدو أن الغموض مازال يحيط بتوقيت الاستقالة، وتصريف شؤون المجلس، وصلاحيات الرئيس المكلف، واختيار البديل، وتعطيل أعمال اللجان، كما يبدو أن هناك تنافساً "جداوياً" على "مركاز" الرئاسة. نتطلع لأن يجتاز بيت التجارة المعضلة الحالية بحنكة أعضاء المجلس وينطلق مرة ثانية بسرعة "غير" لخدمة رجال وسيدات الأعمال بالمنطقة.
أما القرارات الشجاعة فهي مثل القرار الذي اتخذته شركة أرامكو أخيراً حيث كسرت الشركة قاعدة "الوصول إلى هذه الصفحة غير مسموح به" على الأقل في الوقت الحالي. قرار الانفتاح الإيجابي لإدارة العلاقات العامة بالشركة واضح مع مختلف وسائل الإعلام. وتستمر "أرامكو" بإضافة الإنجازات الاقتصادية إلى سجلها الحافل حيث بدأ الغاز السعودي يتدفق بأيادٍ سعودية بعد ولادة "زملة 1"؛ الحقل الجديد في المنطقة الشرقية. نفطياً، تستمر "أرامكو" بتوسعة حقل "خريص"، الذي يمثل أكبر عملية توسعة على وجه الأرض اليوم، حيث يتم بناء أطول شبكة أنابيب لتوزيع مياه البحر وحقنها يصل طولها إلى ما يقرب من ألفي كيلومتر، وتطوير عشرة ملايين متر مربع من الأرض. الهدف هو تفعيل قرار "أرامكو" بزيادة الطاقة الإنتاجية من الزيت الخام بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً. كذلك المفروض أن تكون شركة جنوب الربع الخالي (سراك) المكونة من تكتل من "أرامكو"، "شل"، و"توتال" قد بدأت يوم الإثنين الماضي تنفيذ قرارها بحفر أولى آبارها الاستكشافية في صحراء الربع الخالي لتضيف لبنة اقتصادية قوية أخرى لنمو هذا الوطن. كذلك سجلت أسعار النفط مستوى قياسيا جديدا فوق 75 دولارا للبرميل هذا الأسبوع بعد صدور تقرير العم سام عن الطلب القوي على الوقود، ونتيجة للتوترات السياسية الإقليمية وتجارب كوريا الشمالية الصاروخية، فالسؤال المهم هو هل تتحقق توقعات الاقتصادي جيم روجرز بأن أسعار النفط ستتجاوز 100 دولار للبرميل في الفترة القليلة المقبلة؟

باحث اقتصادي
<p><a href="mailto:[email protected]">alamiaa@yahoo.com</a></p>

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي