تصغير أرداف منتهية الصلاحية
<a href="mailto:[email protected]">alamiaa@yahoo.com</a>
من المهم أولاً التأكيد على الدور الإيجابي الذي تلعبه وزارة الصحة ومعظم العاملين فيها لما يقدمونه من خدمات جليلة للمجتمع هي في نهاية الأمر من ضمن مسؤولياتهم وواجباتهم. لكني لا أجد تفسيراً للتعميم الذي أصدرته وزارة الصحة أخيرا يسمح للممرضين بصرف الأدوية في المرافق الصحية التي لا يوجد فيها صيدلي حتى يتم تأمين قوى عاملة متخصصة. ألا يعتبر هذا التعميم مخالفاً لنظام مزاولة المهن الصحية الذي لا يجيز للممارس الصحي مزاولة أكثر من مهنة صحية واحدة؟ المثير للاهتمام هنا هو أن حتى عامل النظافة في بعض المستشفيات أصبح بإمكانه ترتيب الأدوية.
عثرت لجنة مكافحة الغش التجاري الأسبوع الماضي في فيلا في جدة على مليون علبة دواء منتهية الصلاحية. عُثِرَ أيضاً على أدوية منتهية الصلاحية من عدد من الصيدليات في جدة ألصق عليها "استيكرات" بتواريخ صلاحية جديدة لإعادة توزيعها على 300 صيدلية في جدة, مكة, الطائف, أبها, الباحة, والمدينة المنورة، يعني خطة تسويق مبرمجة ومنظمة لترويج أدوية فاسدة. تخيل سيدي القارئ أنه تم العثور على مليون عبوة جاهزة للتوزيع وخمسة آلاف عبوة تكبير وتصغير الأرداف والصدر وأربعة ملايين (استيكر) مزور تحمل تواريخ جديدة. بمعنى آخر كان يمكن لهذه القنابل الموقوتة أن تقتحم مئات البيوت الآمنة من خلال 300 صيدلية في ست مدن رئيسة. كذلك ضبطت أمانة محافظة جدة نهاية الشهر الماضي عشرة آلاف عبوة كريمات تجميل وشامبو قديمة, إضافة إلى ضبط ملصقات تواريخ انتهاء صلاحيتها مزورة.
كنت قد قدمت في بداية هذا المقال الشكر لوزارة الصحة على ما تقوم به من خدمات ضمن إمكاناتها المحدودة. من السهل جداً انتقاد أي جهة واتهامها بالتقصير في تقديم الخدمات، ولكن الحق يقال إن وزارة الصحة تحاول جهدها العمل ضمن ظروف صعبة أغلبها خارج عن إرادتها. على سبيل المثال قرأت الأسبوع الماضي خبراً صغير الحجم ولكن كبير الأثر في إحدى الصحف المحلية يبشرنا عن وجود عجز في الأدوية والمستلزمات بلغ نصف مليار ريال. نريد من وزارة الصحة أن تطور خطة استراتيجية لتلبية الطلب على الأدوية في وقت السلم وخطط أخرى لتلبية العجز في حالات الطوارئ, لا سمح الله.
وتستمر التجاوزات غير الإنسانية في تقديم الخدمات الصحية للمواطن، حيث صرف مستشفى حكومي أخيرا أدوية منتهية الصلاحية كادت تودي بحياة طفلة وبعد التحقيقات تم تغيير إدارة المستشفى ومشرف الصيدلية مع أن المفروض هو إقالتهم وعقابهم. المثير للدهشة والاستغراب هو أن التحقيقات كشفت أيضاً عن وجود بوادر تلاعب مثل خلط الأدوية ووضع أدوية في عبوات أدوية أخرى ما يؤكد استفحال الإهمال والتهاون بحياة الناس. تكررت الشكاوى عن وجود أدوية منتهية الصلاحية، وعدم صرف أدوية للمراجعين رغم توافرها في الصيدلية ونفي وجودها، وعدم التزام الصيدليات الأهلية بصرف الأدوية، وعدم توافر بعض الأصناف من الأدوية بشكل مستمر، وصرف أدوية للمرضى عن طريق الخطأ، وترتيب الأدوية من قبل عمال النظافة. يجب معالجة هذه الحالات لأن صحة الناس أمانة لا يجوز التلاعب بها.
لنكون عادلين في طرح هذا الموضوع, يجب التنويه بأن المستثمرين في قطاع الصيدليات يحتجون أيضاً بأنهم يعانون لعدم وضوح أو وصول تعاميم وزارة الصحة وعدم تقديم وتنظيم وصول التسهيلات والمعلومات مما يشكل عائقا للاستثمار في قطاع الصيدليات الأهلية. هناك حاجة لتدريب الصيادلة لمواكبة مستجدات وتطورات علم الصيدلة, خاصة أن أعداد الخريجين في الجامعات السعودية والمتخصصين في مجال الصيدلة قليلة جداً ولا تلبي احتياجات المستشفيات. لا بد من إعادة النظر في الإجراءات والشروط والمدة المتعلقة بطلب الحصول على ترخيص فتح أو نقل ملكية صيدلية. هناك أمور أخرى قد أتحدث عنها في مجالات لاحقة مثل ضرورة تنظيم سوق الصيدليات في المملكة وتكثيف التواصل مع المستثمرين في قطاع الصيدليات ليس فقط لمناقشة ما يواجهونه من معوقات لنشاطهم بل أيضاً لمعاقبة من يعبث منهم بصحة المواطن. الأرداف التي يجب تصغيرها هي عوامل الفساد المتفشية في بعض الدوائر الخدمية المتعلقة بشؤون الناس اليومية.