مطلوب تأسيس "هيئة مكافحة الغش الوطني"
<a href="mailto:[email protected]">falkassim@fincorpgroup.com</a>
طلبت مني ابنتي الصغيرة طلباً ملحاً ليلة اليوم الوطني بأن أذهب بها إلى أحد المحلات لشراء ربطات شعار السعودية وعلم المملكة.. إلخ، من الإكسسوارات والشعارات التي انتشرت في هذه المناسبة الوطنية التي أصبحنا نحتفل بها بحفاوة وترحيب واستذكار. وفي اليوم الوطني وعلى مائدة الإفطار, فتحت موضوعاً للنقاش مع أبنائي حول المواطنة، اتفق الجميع أن الاحتفال باليوم الوطني هو تأكيد لحب الوطن، ولكن اختلفنا حول معنى حب الوطن وكيفية التعبير عنه.
من المسلم به أن المواطنة ليست حقنة يحقن بها المواطن ليحب وطنه أو ليكون مواطناً صالحاً، مثلها مثل الحب المتبادل بين الأبناء وأمهم، فهي مبنية على تفاعل مستمر بين الطرفين، فالأم رحيمة بابنها عطوفة عليه مرضعة له مطعمة إياه ممرضة له، فالناتج الطبيعي لهذه العلاقة أن يبادلها ابنها الحب والمودة والعطف والعناية والحرص والبر، فإذا عقت الأم ابنها كانت النتيجة الطبيعية عقوق الأبن لها والعكس صحيح.
ليس هناك أقرب مثل للمواطنة من تشبيه الوطن بالأم، وبناء على ذلك فالأم الوطن تبني علاقتها بأبنائها بصلاح كل ما يمس المواطن من أمور معيشته، وتهتم باحترام المواطن بصفته البشرية، وتحرص على العناية به وتسهيل أمور حياته في كل صغيرة وكبيرة، ويقوم مقام الأم الوطن كل ممثل للدولة من مسؤولين وأنظمة ومؤسسات وكذلك تقوم مقامها المحاكم وأقسام الشرطة، وهي في الوقت ذاته كل موظف يقوم على مصلحة عامة. وبناء على هذا المفهوم فإن المواطنة الحقيقية لكي تبنى بالشكل الصحيح فإنها تعتمد بشكل أساسي على الممارسات الفعلية لموظفي القطاع العام، والرعاية الأبوية من لدن القيادة.
المواطنة الحقيقية تفرض على المسؤول الاهتمام بأحوال موظفيه و دائرته، وتفرض عليه عدم تأخير معاملات مراجعيه، فالمواطن الصالح يفرح بخدمة الآخرين ويعاملهم كما يحب أن يعاملوه، ليس مواطناً صالحاً أي مسؤول يعمل ليحقق أغراضه الشخصية، أو من يعمل وهمه المنصب والراتب فقط، أو من يسرق المال العام، أو من لا يخلص في أداء عمله، أو من يقدم أقاربه وأصدقائه على غيرهم في الوظائف والترقيات، أو من يوافق على الانتدابات الوهمية وخارج الدوام الورقي، أو من يتأخر عن دوامه، أو من يمارس أعماله الشخصية في وقت العمل، أو من يتاجر في سوق الأسهم بالمضاربات الوهمية. وينطبق ذلك على المقاول الذي لا يتقن عمله، أو التاجر الذي يغش غيره, قائمة طويلة لن أستطيع حصرها مهما كبرت مساحة هذا المقال!!
إذا صلحت النوايا صلح العمل، فإن كانت نية كل مواطن تتمثل في المواطنة الصالحة، فيجب عليه أن يصلح عمله ليتحقق منه ما يؤكد نيته، وإن فعل غير ذلك فيمكن أن يكون أي شيء آخر خلاف المواطن الصالح.
مكارم خادم الحرمين الشريفين وإن تعددت لا تكفي وحدها لصناعة المواطنة وأن كانت بلسماً للمواطنين، نريد مواطناً صالحاً يفيد المجتمع، يكون مرآة للوطن مستنبتاً للمحبة بين المواطنين. نريد الوزير الناصح، والمسؤول المخلص، والقاضي العادل، والمدرس المربي، والطبيب الرحيم، والشرطي الأمين، والطالب المتعلم، وقبل ذلك وبعده الأب القدوة والأم المدرسة.. هؤلاء هم صناع المواطنة الحقه، وهم بناة محبة الوطن.
إن أزمة التعبير عن المواطنة أزمة متأصلة في المجتمع بشكل عام، وفي الإعلام السعودي بشكل خاص، من حيث الشكل و للأسف أيضاً من حيث المضمون، فالإعلام بشكل عام يكرس النظرة الخاطئة التي تعزز النفاق (أو المجاملة بشكل ألطف) ويعزز مفهوم أنها الطريق الأبرز أو الوحيد للتعبير عن المواطنة، فالمواطن المخلص هو الذي يهنئ، والمواطن المخلص هو الذي يستنكر، والمواطن المخلص هو الذي يثني ويمدح، والنتيجة أن المواطن المخلص هو الذي يتزلف ويتقرب.
إني أتساءل!! أين الإعلام (بجميع أصعدته ووسائله) من المواطن المخلص الذي يعمل لأجل الوطن حقيقة و موضوعاَ لا شكلاً و زخرفاً؟ لماذا تناسى الأعلام أبناءه في جميع المجالات من معلمين وأطباء وموظفين يعملون ليل نهار وهمهم خدمة وطنهم وأبناءه؟ أين الأعلام من المواطن الذي يبني المصانع و ينشئ المتاجر ويفتح البيوت؟ أين الأعلام من المواطنين والمؤسسات التي تدرب لأجل الوطن و تبني المستشفيات و تعالج الناس لأجل الوطن لا ينتظرون شاكرا يطمعون في ما عند الله،؟ أين الإعلام من المواطن الذي يكفل اليتيم ويستر الفقير ويساعد العاجز؟ أين الإعلام من الكاتب والناصح للكبير والصغير من أجل الوطن؟
إن مفهوم المواطنة يحتاج إلى وقفة متأملة مع أنفسنا، ومراجعة فكرية و منهجية متكاملة، وتغيير كامل وشامل لأسلوبنا في التعبير عنها، و بداية يحتاج إلى وقفة صادقة من ولاة الأمر والمسؤولين والناصحين لإيقاف قراصنة الوطن و سارقيه من أهله.
إن قائمة المواطنين الصالحين قائمة طويلة عريضة ممتدة بامتداد رقعة هذه الجزيرة التي حبانا الله بها، ونفخر بالانتماء لأرضها، ولكن و للأسف إن هؤلاء المواطنين الصادقين المخلصين لا نعرفهم و لا يعرفهم إلا فئة محدودة ممن تعامل معهم، فالإعلام مشغول بغيرهم على قاعدة (شد لي وأقطع لك) و(رحم الله من نفع واستنفع)، و لكن يكفيهم أن الله يعرفهم و كفى بذلك شرفاً.
اقتراحي للمسؤولين أن يتم تأسيس هيئة متخصصة في مكافحة الغش الوطني، مسؤوليتها كشف المواطنين المزيفين وإبراز المواطن الصالح المخلص العامل النزيه الصادق على غرار لجنة مكافحة الغش التجاري، أو على الأقل كهيئة حماية الحياة الفطرية!!