هل من الحكمة تدخل الهيئة في السوق؟
عندما كانت القيمة السوقية للأسهم تتصاعد بشكل رهيب لم يكن المتعاملون يأهبون لهيئة سوق المال، وعندما كان المتعاملون يحصدون الأرباح صغارهم وكبارهم محترفيهم ومبتدئيهم، لم يلقوا أي اهتمام لتحذيرات الخبراء حول تضخم السوق . . لكن لما أصدرت الهيئة التعليمات والأنظمة لتنظيم السوق واتبعتها بقرارات صارمة لمعاقبة بعض المتعاملين لمخالفتهم قواعد التعامل في السوق قامت قيامة الجماهير!! وطالبت الهيئة بكف يدها عن السوق وترك السوق لمساره الطبيعي !!
ما الذي حصل بعد انهيار السوق وانفجار الفقاعة .. لم يبق صغير ولا كبير ولا غني ولا فقير ولا رجل ولا امرأة إلا وألقى باللائمة على هيئة سوق المال وارتفعت المطالبات للهيئة بالتدخل لوقف النزيف والحد من ارتفاع الضحايا .. وارتفعت الأصوات تنادي المسؤولين الحكوميين، بل تناشد خادم الحرمين للتدخل لإنهاء الحالة المادية والنفسية المدمرة التي وصل إليها كثير من المتعاملين نتيجة خسائرهم المتتابعة في سوق الأسهم !!
السؤال الذي يفرض نفسه .. هل من الحكمة تدخل الهيئة في السوق؟ الإجابة هنا مطاطة ولزجة لا يمكن الجزم بها فلا توجد إجابة منطقية متفق عليها!! نعم أم لا؟ الإجابة التي اعتقدها وأجزم بها أن الهيئة يجب أن تقوم بعملها بدقة وحزم من حيث فرض الشفافية والانضباط وتوجيه المتعاملين ومعاقبة المخالفين، وعلى الطرف الآخر يجب أن تترك الهيئة السوق على حاله بدون أي تأثير عليه، والأهم من ذلك عدم استشعارها الذنب نتيجة ارتفاع مؤشر السوق أو انخفاضه، وعدم السماح لأي جهة حكومية أو شبه حكومية بتعديل اتجاه السوق، لأن السوق في نهاية الأمر يجب أن يكون ذاتي التوجيه وفق القواعد الحاكمة والضبط العام الذي يفرض نفسه في ظل رعاية ورقابة الهيئة للوصول إلى الحالة الأمثل والأكثر عدالة والأقل توتراً.
أستعرض هنا مجموعة من التوجهات التي أعتقد أن تطبيقها سيغير مسار سوق الأسهم في المملكة إيجابياً بشكل جذري:
1- فصل هيئة السوق المالية عن السوق نفسه، وإنشاء شركة مساهمة لإدارة السوق كما نص النظام، وهذا التقسيم سيفرغ الهيئة لعملها الرئيسي وهو تنظيم السوق المالية من حيث التشريع والرقابة، وسيترك الأعمال التنفيذية لإدارة السوق.
2- تقسيم السوق إلى سوق رئيسي وسوق مواز، وتتميز السوق الموازية بخصائص تجعل منها سوقاً جادة وليست سوقاً للقمار أو لمغامرة المغامرين غير المحسوبة، مثل أن يوقف تداول أسهم الشركات التي تستمر في الخسائر لمدة ثلاث سنوات متتالية، ويوضع حد أعلى لسعر التداول في هذه الشركات بحيث لا يزيد على ثلاثة أضعاف القيمة الدفترية أو لا يزيد على 15 مضاعف ربحية أيهما أعلى، والأهم أن يكون البيع والشراء في هذه الشركات موقوتاً بحيث لا يتم بيع السهم إلا بعد مرور أسبوع على شرائه، كما أن الشركات الجديدة يتم إدراجها في السوق الموازية لمدة سنتين قبل أن تتم ترقيتها إلى السوق الرئيسي، وتتم مراجعة أوضاع الشركات في السوق الرئيسي والموازي بشكل دوري، لتسكينها في السوق المناسبة لها، بحيث لا يواجد في السوق الرئيسي إلا الشركات القوية والمنضبطة التي لا يمكن أن تكون أداة للمقامرين، فتتم إحالة الشركات التي تحقق خسائر لمدة ثلاث سنوات على التوالي أو التي لا تحقق ضوابط الهيئة من حيث الشفافية أو الالتزام إلى السوق الموازي، على أن يتم الإعلان عن هذا التنظيم قبل تطبيقه بفترة كافية لا تقل عن ستة أشهر.
3 - الاستمرار بل التعجيل في الإدراج والطرح للشركات الجديدة في السوق، بحيث يخف تدريجيا تأثير أسهم بعض الشركات على السوق، مهما كانت النتائج النفسية لهذا الاتجاه، مع الأخذ في الاعتبار عدالة وسلامة تقييم سهم الشركات المدرجة.
4 - عدم التفات الهيئة إلى المؤشر ارتفاعاً وانخفاضاً، وعدم الانزعاج من الانخفاض الذي يحدث، وخاصة أن المؤشر لا يزال في مستوى معقول، ويشجع على الاستثمار، ومن المهم التوقف عن محاولة التأثير على نفسيات المستثمرين إيجابياً، إذ إن ذلك ليس من أعمال الهيئة المنصوص عليها نظاماً، كما أنه يوحي للمتعاملين بمسؤولية الهيئة عن الانخفاض الذي يحدث.
5 - تكثيف جهود الهيئة للرقابة على الشركات المساهمة المدرجة، ومدى التزامها بالقواعد والأنظمة، والشفافية، والتحقق من عدم تسرب المعلومات، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بضبط السوق، وتطبيق العقوبات القصوى بحق المخالفين.
6 - وضع الأنظمة والضوابط والآليات اللازمة للتحقق من سلامة تقارير ودراسات وتصرفات البنوك والشركات الاستشارية المرخص لها والمحاسبين القانونيين ذات العلاقة بالسوق أو بالشركات المدرجة.
7 - الشفافية في الإعلان عن التوجهات المستقبلية للهيئة، والتشهير بالمخالفين وفرض العقوبات، وفقاً لآليات الهيئة المعلنة للرقابة والالتزام.
خاتمة .. سألني أحد الإخوة عن السوق وما هي توقعات الصعود بعد الكبوة؟ كيف ومتى وإلى أين؟ فأجبته باختصار .. كانت حفلة وانتهت!! وكل حفلة والسوق بألف خير.