علاوة الإصدار بين الشك واليقين (2 من 2)

[email protected]

بداية أود أن أشكر كل من تفاعل مع المقالة السابقة بأي صورة كانت حيث كل منا لديه زاوية ينظر بها لهذا الموضوع قد يغفل ال’خر عنها, والتفاعل لاشك سيؤدي للمزيد من تقادح للعقول وتلاقح للأفكار بما يثمر معرفة أشمل وأدق تسهم في تشكيل مواقف سليمة تتمثل بإذن الله سلوكا سويا ذا آثار إيجابية على الجميع دون ضرر على أي طرف من الأطراف بإذن الله.
ومن النقاط المهمة التي استشففتها من التفاعلات مع ما نشر قضية مهمة جدا, وهي عدم التفريق بين الاستثمار والمضاربة من ناحية وعدم التفريق بين فترات انتعاش السوق واستقرارها وركودها من ناحية أخرى, مما جعل الناس يقيَمون الفائدة التي يمكن أن يحققوها من الاكتتابات بطريقة غير منصفه, حيث مازالوا ينظرون إلى الاكتتابات بأنها فرصة للحصول على أسهم بأسعار منخفضة جدا ليبيعوها بأضعاف مضاعفة (كما هو زمن انتعاش السوق قبل فبراير 2006)، متناسين أن الاكتتاب هو نوع من الاستثمار طويل الأجل، ومن أراد أن يتأكد من ذلك فليسأل من اكتتب في سابك والتصنيع والمجموعة والدوائية والبنوك والاتصالات.. إلخ, أيام استقرار وحتى ركود سوق الأسهم, ماذا جنوا بعد بضع سنوات ؟ الكل يعرف بأنهم جنوا أرباحا كبيرة حين انتعشت السوق فضلا عما جنوه من عوائد مالية سنوية.
أحببت أن أبدأ بهذه الملاحظة لعلها تؤصل لمعرفة أكثر نضجا تجاه الاكتتابات التي يجب ألا تتوقف, لنعمل على تحويل مدخرات الموطنين التي تقدر بالمليارات إلى مجتمع الأعمال بطرق نظامية وآمنه لكي يستثمروها في تطوير وتوسيع أعمالهم بما يعود عليهم وعلى أصحاب المدخرات وعلى الاقتصاد الوطني بالمنفعة.
وعودا على قضية علاوة الإصدار التي أصبحت عائقا أمام المزيد من الاكتتابات حيث يحجم بعض رجال الأعمال عن طرح شركاتهم التي تحملوا مخاطرة تأسيسها حتى أصبحت مربحة دون السعر السوقي المناسب بالنسبة لهم, كما يحجم بعض المواطنين عن الاكتتاب بالشركات المطروحة بعلاوة إصدار ظنا منهم بعدم عدالة هذه العلاوة إضافة إلى تخوفهم من الخسارة عند طرح الأسهم التي اكتتبوا بها في سوق الأسهم الثانوية التي تعاني تراجعا في مكررات أرباحها المتضخمة سابقا.

أقول عودا على تلك القضية التي تحتاج إلى المزيد من الإيضاح أن أغلب المحلليين الماليين يتبعون طريقة مالية حديثة لاحتساب علاوة الإصدار, وهي طريقة خصم التدفقات المالية المستقبلية, والتي لا تعتمد على قائمة المركز المالي فقط, بل يكون جل اعتمادها على قائمة الدخل وقائمة التدفقات النقدية من النشاطات التشغيلية (وليست الاستثمارية), فيتم وضع توقعات مستقبلية بناء على الثوابت والمتغيرات للقوائم المالية التاريخية وذلك بعد احتساب المتوسط المرجح لتكلفة رأس المال للحصول على القيمة النهائية للشركة من خلال توقع التدفقات النقدية من الأنشطة التشغيلية لفترات مالية تكون عادة خمس سنوات.

وبناء على ذلك يمكن أن تكون علاوة إصدار شركتين (أ) و(ب) مختلفة رغم تساويهما في رأس المال, بل يمكن أن تكون علاوة إصدار (أ) أكبر من (ب) رغم انخفاض إجمالي أصول (أ) بسبب كون الأرباح التشغيلية الحالية والمتوقعة للشركة (أ) أكبر منها في الشركة (ب), بمعنى أن علاوة الإصدار حسب هذه الطريقة تعتمد على الأرباح التشغيلية والتدفقات النقدية القادمة منها ونسب النمو فيها.

وبالطبع فإن هذه الطريقة لا تكفي وحدها في تحديد علاوة الإصدار حيث يتم أخذ القيمة السوقية في عين الاعتبار فتتم مقارنة الشركة مع الشركات المماثلة (نفس الحجم والقطاع) والمدرجة في سوق الأسهم حيث تتم مقارنتها بناء على مكرر ربحية الشركات المماثلة لها, وذلك بعد تخفيض نسبة تراوح بين 15 و30 في المائة من القيمة الناتجة للشركة, وهي النسبة التي يمكن اعتبارها قيمة مضافة للشركات المدرجة, وذلك لسيولتها وإمكانية تداول أسهمها.

وكل ذلك يتم طبعا تحت مراجعة متعهد التغطية (مدير الاكتتاب) الذي يشكل آلية دفاعية لمراجعة عملية التقييم وعدالتها لكيلا يتضرر عند طرح الأسهم بأسعار عالية لا يمكن تغطيتها في وضع السوق الساري في تلك الفترة وبالتالي يتحمل خسائر بسمعته المالية وبموقفه المالي هو الآخر.

وختاما أود أن أبين أن هناك أكثر من آلية موجودة لدى كل من المستشار المالي ومتعهد التغطية لضمان الوصول إلى أقرب نقطة من عدالة التقييم, وذلك لتجنب الخسائر المباشرة في حال إخفاق الاكتتاب، وعلى كل حال يبقى قرار الاكتتاب قرارا شخصيا وهو قرار من المفترض أن يكون قرارا استثماريا بالدرجة الأولى خاصة في تلك الأيام حيث بدأت تقترب السوق المالية السعودية من النضوج, وبدأت تنحسر فترات الهيجان غير المبرر الذي ذقنا مرارته أفرادا ومجتمعا واقتصاداً للأسف الشديد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي