مزاين الإبل: حتى لاتطغى القبيلة!
في السفح الشرقي لنفود الدهناء الواقعة في طريق الأرطاوية- حفر الباطن يوجد موضع جغرافي اسمه "أم رقيبة".
برز هذا الموضع الجغرافي واشتهر منذ سنوات، بل وأصبح محط اهتمام الصحف المحلية والقنوات الفضائية ذات الاهتمام بالتراث والأدب الشعبي، ومقصداً للكثيرين من المهتمين بالإبل والرحلات البرية، خاصةً في مثل هذا الوقت من كل عام، وذلك بعد أن احتضن الموقع وعلى مدى سنوات جائزة الملك عبدالعزيز للإبل الممتازة، أو ما يعرف بمسابقة مزاين الإبل، والتي هي من بنات أفكار الأمير مشعل بن عبدالعزيز، الذي تولى الفكرة بالتنفيذ والرعاية والاهتمام، وذلك لما تجده الإبل العربية لديه من اهتمام خاص وعناية. وكانت الفكرة وكانت المسابقة لتشجيع المهتمين والأثرياء باقتناء الإبل العربية والمحافظة على سلالاتها الأصيلة. وقد تنوعت مجالات المسابقة، حسب ألوان الإبل، ووضعت شروط ومعايير للدخول في المسابقة، ليست هذه المقالة للحديث عنها أو عرضها.
الذي أود قوله إنه بعد هذه السنوات من إقامة هذه المسابقة الفريدة، أصبح الناس يتطلعون إلى موعد عقدها وتنظيمها، بل يقيمون في أم رقيبة قبل يوم الحفل الختامي بأيام وربما بأسابيع، وتشهد منطقة أم رقيبة خلال أكثر من شهر حركة تسويقية نشطة، يستفيد منها أهل البادية وأهل الهجر المحيطة بها. والمثير في هذه التظاهرة مشاركة المرأة في الحركة التسويقية من خلال بيع المشغولات اليدوية، المصنوعة والمحاكة محلياً، وكذلك بيع بعض المنتوجات المنزلية، خاصةً "الإقط" و "السمن".
خلال السنوات الماضية تم استنساخ الفكرة وتنفيذها في مواقع أُخرى، إذ تم تنظيم عدة مهرجانات لمزاين الإبل، بمستوى أقل مما يحدث في أم رقيبة، من حيث التنظيم والحضور الجماهيري. ويبدو أن السبب في البداية وراء تنظيم هذه المهرجانات المصغرة هو أن عدداً من المُلاك لا تستوفي إبلهم الشروط والمعايير للدخول في مسابقة جائزة الملك عبدالعزيز، وهذا سبب وجيه، إذ ليس كل المُلاك بإمكانهم الدخول في هذه المسابقة الكُبرى، لا سيما بعد أن تحولت إلى مسابقة دولية، غير أن المؤسف في هذه المهرجانات الصُغرى أنه لم يُسند تنظيمها وإقامتها والإشراف عليها إلى جهات حكومية، كالمحافظات أو البلديات، إنما تم تنظيمها من قبل أبناء بعض القبائل، لذلك بدأنا نقرأ في الصحف والمنتديات عن "مزاين" لهذه القبيلة أو تلك! وأصبح مجرد إقامة "مزاين" معياراً تُقاس به مكانة القبيلة في المجتمع. وأشتد التنافس بين أبناء القبائل على إقامة هذه المهرجانات، الأمر الذي فقدت معه هذه المهرجانات الهدف الأسمى من إقامتها، حيث يجب أن تتسم بالوطنية وأن تكون المشاركة فيها مفتوحة لجميع أبناء الوطن، حاضرة وبادية، دون النظر إلى قبيلة هذا المشارك أو ذاك!
وحتى لا تطغى القبيلة على مثل هذه المهرجانات، ولكي يكون العمل فيها وطنياً خالصاً، فإنني أقترح أن يتم تصنيف المهرجانات إلى مستويات، تكون جائزة الملك عبدالعزيز هي الجائزة الأسمى والأكبر، وهي الجائزة الدولية، وتنضوي تحتها مسابقات محلية تقام في عدة محافظات، شريطة أن تُنسب هذه المهرجانات إلى أسماء المواضع والأماكن، مثل "مزاين الدوادمي"، "مزاين قبة"، "مزاين رماح"، "مزاين الجوف" وغيرها، وأن تكون المشاركة مفتوحة لجميع أبناء الوطن، من أبناء المدن والقرى المجاورة لهذا المكان أو ذاك، وأن يُسند تنظيم المهرجانات إلى الهيئة العليا للسياحة بالتعاون مع محافظات وبلديات المدن المجاورة لأمكنة المهرجانات، حتى يكون العمل أكثر تنظيماً وأكثر وطنية!