هل تؤثر البنوك في سوق العمل؟

[email protected]

تمر السعودية خلال هذه الفترة بعصرها الذهبي اقتصادياً ومعنوياً وإصلاحياً. ويمر القطاع الخاص السعودي بطفرة جديدة لم يسبق لها مثيل كونه يعيش في السوق الأكبر والاقتصاد الأقوى في المنطقة، إضافة إلى المتغيرات الاقتصادية كالاستثمار الأجنبي ومنظمة التجارة العالمية والاتفاقات التجارية الثنائية الدولية والإقليمية وكذلك التغيرات الديموقرافية من ناحية قاعدة العملاء التي تتسع محملة بقوة شرائية كبيرة، ونتيجتها التوسع في قطاع الأعمال بجميع اتجاهاته الأفقية والعامودية ودخول منافسين جدد على المستويين المحلي والدولي.
جميع العوامل السابقة لا تساوي شيئا إذا لم تكن هناك الكوادر المؤهلة التي تدير عجلة الشركات وتقيس حجم التغيرات الاقتصادية في محيطها وتخطط لمواجهة المنافسين على جميع المستويات. وهذا مربط الفرس في هذا الطرح. إن المشاهد والمتابع يعلم أن هناك أزمة كبيرة في سوق التوظيف المحلية للحصول على سعوديين مؤهلين لسد حاجة الطلب المتزايد على الشباب السعودي المؤهلة وجميعنا يعيش هذه الطفرة الوظيفية التي يشهدها القطاع الخاص لدرجة أن رواتب المؤهلين المقيمين وصلت إلى أرقام كبيرة في ظل السياسة القوية التي تتبعها وزارة العمل في إصدار تأشيرات العمل والتشديد على سعودة الوظائف، وهنا لن نخوض في موضوع البيضة أو الدجاجة.
هذا الطلب المتزايد للقطاع الخاص كان يحمل الكثير من الحوافز التي تجعل المؤهلين السعوديين في حيرة من أمرهم في ظل العروض الكبيرة التي يتلقونها من الشركات المنافسة بالدرجة الأولى والقطاع الخاص بشكل عام في الدرجة الثانية. ولذلك فإن الشركات أصبحت تبحث بشكل مفصل عن الطريقة التي تستطيع بها المحافظة على موظفيها لأطول فتره ممكنة في ظل المغريات الخارجية الكبيرة والتي تجبر أصحاب الأعمال أحيانا على الدخول في مفاوضات مع الموظفين وتقديم تنازلات قد تخالف السياسة الإدارية التي يتبعونها، ولكن حاجة العمل الملحة تتطلب كسر للقواعد.
كان هذا الحديث والمنافسة الكبيرة بين الشركات في استقطاب الموظفين والمحافظة على أنصاف المؤهلين تستبعد القطاع البنكي إلى حد ما من المنافسة، بسبب ساعات العمل في البنوك ومواعيدها والتي قد تسبب نقطة ضعف حين المقارنة بين القطاع البنكي والقطاعات الأخرى (على مستوى بيئة العمل)، ونحن نعلم أن رواتب القطاع البنكي تعتبر من الأعلى في السوق. اليوم وقد تغير الدوام البنكي، فإن ظروف المنافسة الوظيفية أصبحت مضاعفة عشرات المرات لأن موظفي الشركات أصبحوا يضعون القطاع البنكي ضمن الخيارات الوظيفية المهمة على مستوى التطور الوظيفي والعائد المادي. ومن كانت مواعيد العمل تمثل عائقا أمام متطلبات حياته الاجتماعية، فقد تلاشت ولذلك فإنه سيحصل على مميزات مالية مرتفعة وساعات ومواعيد عمل مناسبة وتطور وظيفي واضح.
إن موازين العرض والطلب في سوق العمل قد تغيرت بعد الدوام الجديد للبنوك، أضف إلى ذلك عدد البنوك الجديدة التي دخلت وستدخل السوق وستحتاج إلى جيش من المؤهلين لسد الحاجة المستقبلية لتلك البنوك. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن عدد موظفي البنوك اليوم يتجاوز 30 ألف موظف في ظل نظام العمل السابق، فإن هذا الرقم من وجهة نظري سيتضاعف عشر مرات خلال السنوات الخمس المقبلة في القطاع البنكي فقط ناهيك عن الأعداد الكبيرة التي سيحتاج إليها القطاع الخاص والمستثمر الأجنبي والمدن الاقتصادية، إضافة إلى تخصيص قطاعات الدولة المختلفة وغيرها الكثير.
إن الحاضر والمستقبل القريب لسوق العمل في المملكة يشهد وسيشهد طفرة غير مسبوقة، ستكلف أصحاب العمل الشيء الكثير للمحافظة على ولاء موظفيهم لفترة كبيرة وستكون الحوافز المادية والمعنوية هي الفيصل في تحديد توجه الموارد البشرية للشركات، وعلى الجهة الأخرى، فإن المؤهلين سيجدون فرصا وظيفية أكبر ومحفزات مالية أكثر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي