هناك مشكلة في إدارة اقتصادنا!

[email protected]

أكدت مؤسسة النقد العربي السعودي عرضها على البنوك شراء سندات الدين العام التي أصدرت في سنوات عجز الميزانية، ويأتي ذلك ضمن خطة وزارة المالية الهادفة لتخفيض الدين العام في ظل استمرار تحقيق ميزانية الدولة فوائض مالية. وحسب بيان وزارة المالية الصادر بمناسبة الميزانية الجديدة فإن نمو السيولة المحلية خلال الأشهر العشرة الأولى من هذا العام بلغت 11.8 في المائة، وهو معدل مرتفع جداَ حتى مقارنة بمعدلات نمو السيولة المحلية العالية التي تحققت خلال الأعوام الثلاثة الماضية، والتي تسببت في تضخم غير مبرر في سوق الأسهم السعودية مع استمرار عدم اتخاذ سياسات تهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي من خلال تجنب نمو السيولة المحلية وفق معدلات تفوق كثيرا معدلات النمو الاقتصادي الحقيقي. فاستمرار نمو السيولة المحلية بمعدلات عالية خلال الأعوام الثلاثة التي سبقت انهيار سوق الأسهم أدى إلى انجراف معظم السيولة الفائضة عن حاجة الاقتصاد إلى سوق الأسهم متسببة في تكون فقاعة هائلة أدت إلى وصول مؤشر سوق الأسهم المحلية إلى ما يزيد على سبعة أضعاف قيمته في نهاية عام 2002، انفجرت تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وما زالت توابع هذا انفجار مستمرة ملحقة مزيدا من الخسائر بكل من بقي في السوق أملاً في تعافيها وارتدادها.
بعد توقف تدفق فائض السيولة نحو سوق الأسهم أصبح هناك مزيد من الضغوط على مستويات الأسعار محليا وبالتالي ارتفاع في معدلات التضخم، فقبل انهيار سوق الأسهم كان معظم الأفراد يوجهون فوائضهم المالية نحو سوق الأسهم سعيا لتعظيم مكاسبهم في هذه السوق، لذا رغم النمو الكبير في السيولة المحلية فإن معدلات ارتفاع الأسعار بقيت إلى حد ما مقبولة. إلا أن المشاهد والمحسوس منذ انهيار سوق الأسهم، نتيجة لتوقف تدفق فائض السيولة إلى السوق المالية، تزايد الضغوط التضخمية في الاقتصاد المحلي بشكل واضح متسارع لا تعكسه الأرقام الرسمية بدقة مقبولة. ومعدل النمو المتدني للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال عام 2006 الذي لم يتجاوز 4.2 في المائة، يظهر أن هذه الضغوط التضخمية ليست ناتجة على محدودية قدرة اقتصادنا الاستيعابية وإنما هي نتيجة حتمية لاستمرارنا في عدم اتخاذ سياسات ملائمة تحد من نمو السيولة بمعدلات تزيد كثيرا عن حاجة اقتصادنا المحلي.
لذا فإن قرار وزارة المالية إعادة شراء سندات الدين الحكومية دون أدنى اعتبار لتأثير ذلك على معدلات السيولة المحلية يظهر أننا مازلنا نواجه مشكلة أساسية في إدارة اقتصادنا واتخاذ سياسات وإجراءات متوائمة مع احتياجات المرحلة التي نمر بها وما تتطلبه من سياسات مالية ونقدية. فإعادة شراء هذه السندات سيتسبب في ضخ مزيد من السيولة في اقتصاد لا يحتاج إليها إطلاقا في ظل تواضع معدل نمو اقتصادنا الحقيقي، وهو ينطلق من استيعاب خاطئ لمفهوم الدين العام جعل وزارة المالية في بيانها الصادر بمناسبة الميزانية تُقدر حجم الدين العام حاليا بنحو 366 مليار ريال، رغم أن حجمه الفعلي أقل من ذلك بكثير في ظل فوائض الميزانية الضخمة وما ترتب عليها من نمو في احتياطيات الدولة خلال الأعوام الثلاثة الماضية. فالدين العام ليس إجمالي اقتراض الدولة لتمويل عجوزات الميزانية غير المسدد، كما تحتسبه وزارة المالية، وإنما هو صافي الفرق بين إجمالي عجوزات وفوائض الميزانية، ما يجعل بناء احتياطيات الدولة وزيادة استثماراتها في الأوراق المالية الأجنبية هو في حد ذاته تسديد للدين العام يترتب عليه خفض في صافي مديونية الدولة أو دينها العام.
واستمرار هذا النمو الهائل غير المبرر في معدلات السيولة المحلية وتسببه في ضغوط تضخمية، تتآكل بسببها القوة الشرائية لدخول الأفراد في وقت يعاني فيه معظم أفراد المجتمع من ضائقة مالية بفقدانهم معظم مدخراتهم في سوق الأسهم، يتطلب في الواقع إصدار مزيد من السندات الحكومية لامتصاص فائض السيولة لا إعادة شراء ما سبق إصداره، ما يؤكد استمرار معاناتنا من تدن في كفاءة إدارتنا سيولتنا المحلية واقتصادنا بشكل عام، الذي تسبب حتى الآن في الحد من المكاسب الاقتصادية لطفرة أسعار النفط وأضعف من معدلات نمو اقتصادنا الوطني بشكل غير مقبول. كل ذلك يأتي في ظل ظروف إيجابية يفترض أن تسهم في تحققنا معدلات نمو ورفاهية اقتصادية استثنائية غير مسبوقة لو تمت إدارة الطفرة بشكل أفضل، وأخطاء إدارة اقتصادنا لم تتسبب فقط في تحييد كل تأثير إيجابي للطفرة الحالية على اقتصادنا الوطني بل زادت من معاناة أفراد المجتمع وتسببت في تردي ظروفهم المعيشية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي