فضائل المسجد الحرام
للمسجد الحرام فضائل كثيرة بينها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو أول بيت وضع للناس وبارك الله فيه فليس في البيوت أبركُ منه ولا أكثر خيراً منه ولا أدوم منه ولا أنفع للخلائق. روى البخاري ومسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض، فقال: المسجد الحرام قلت: ثم أي قال المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما فقال أربعون عاماً .. وقال ابن القيم: وقد أشكل هذا الحديث على من لم يعرف المراد به، فقال معلوم أن سليمان بن داود هو الذي بنى المسجد الأقصى وبينه وبين إبراهيم عليهما السلام أكثر من ألف عام وهذا من جهل القائل، فإن سليمان إنما كان له من المسجد الأقصى تجديده لا تأسيسه، والذي أسسه هو يعقوب بن إسحاق عليه وسلم بعد بناء إبراهيم الكعبة بهذا المقدار.
قال تعالى: "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين"، فوصفه الله بالمصدر هدى من المبالغة حتى كأنه هو نفس الهدى، والصلاة في المسجد الحرام أفضل وثوابها أعظم ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة" رواه الإمام أحمد وغيره.
وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن الحسنة في مكة بمائة ألف وقيل ليس لها حد محدود، واتفق الفقهاء على أن السيئة أعظم في حرم مكة لقول الله تعالى: "إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه. من عذاب أليم"، فإذا كان الهم بالسيئة في حرم مكة فيه هذا الوعيد فهو دليل على أن السيئة فيه أعظم من غيرها، قال ابن مسعود في قول الله تعالى: "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم" لو أن رجلاً هم فيه بإلحاد وهو في عدن لأذاقه الله عذاباً أليماً".
واختلف الفقهاء هل تضاعف السيئة عظماً أو عدداً والأظهر والله أعلم أنها تضاعف عظماَ وكيفية، لقوله تعالى: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون"، وقوله تعالى: "والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها" فهذه الآيات تدل على أن من رحمة الله تعالى وفضله وإحسانه أنه لا يضاعف السيئات، بل يجازي على السيئة سيئة مثلها وهذا عام في حرم مكة وغيره.
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن مقامه لغير مكة فقال: مالي ولبلد تضاعف فيه السيئات كما تضاعف الحسنات. فهو محمول على التسليم بصحته أن مراده عظم السيئات فيه لحرمة المكان.