آثار عمليات غسيل الأموال في الاقتصاد (1 من 2)
انتشر في الأوساط الاقتصادية وحتى الاجتماعية الحديث عن غسيل الأموال The Money Laundering، وبرز هذا الطرح بشكل أكبر في ظل ما تشهده الأسواق المالية من كميات تداول عالية وسيولة كبيرة جعلت من غسيل الأموال تعود إلى دائرة الضوء مرة أخرى، وهنا تأتي الحاجة إلى تسليط الضوء على أهمية قضية غسيل الأموال وعلى آليات عملها، وكذلك آثارها على المجتمع والاقتصاد.
ونبدأ هنا بالتعريف بغسيل الأموال كمصطلح يتداول بين العامة والخاصة، وغسيل الأموال هو كل عمل أو إجراء يهدف إلى إخفاء أو تحويل أو نقل أو تغيير طبيعة أو ملكية أو نوعية وهوية الأموال المحصلة من أنشطة أو أعمال إجرامية وغير قانونية أو غير مشروعة، وذلك بهدف التغطية والتمويه والتستر على المصدر الأصلي غير القانوني لهذه الأموال، لكي تظهر في نهاية الأمر على أنها أموال نظيفة ومن أصول سليمة ومشروعة، بينما هي في الأصل غير ذلك. وتعريفه وفق نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/39 وتاريخ 25/6/1424هـ على أنه "ارتكاب أي فعل أو الشروع فيه يقصد من ورائه إخفاء أو تمويه أصل حقيقة مكتسبة خلافاً للشرع أو النظام وجعلها تبدو كأنها مشروعة المصدر". خلاصة التعريف أنه تحويل أي أموال اكتسبت بطريقة غير نظامية إلى أموال متداولة بشكل قانوني ونظامي.
وجاءت الحاجة إلى عمليات غسيل الأموال بزيادة العمليات التجارية غير النظامية، والتي تحتاج إلى عملية تنظيف من خلال إدخالها مع أموال شرعية والشكل التقليدي للعمليات التي تحتاج إلى غسيل أموال مثل تجارة للمخدرات، تجارة الأسلحة والمتفجرات، تجارة الجنس والرقيق جرائم الرشوة والاختلاس والغش بجميع أنواعه وانتشار الفساد الإداري والمالي وحتى السياسي، السرقة والتزوير بمختلف أنواعها.
اليوم ونحن نعيش عصر العولمة فإن غسيل الأموال أخذ أبعاد أخرى من حيث إمكانية نقلها وغسيلها في دول كثيرة حول العالم، وذلك من تنامي الاستثمار الأجنبي المباشر، وحرية حركة الأموال بين جميع الدول المتقدمة والنامية، وظاهرة التوسع في المضاربات المالية من خلال البورصات، ووجود التقنية التي تساعد في رفع مستوى العمليات وعددها بشكل يجعل من الصعوبة مراقبة ملايين العمليات المصرفية، ويجعل بعض البنوك أو الأشخاص المؤثرين والجهات النافذة تتسابق لتأخذ نصيبها من هذه الصفقات من ما أمكن بالمراوغات والمخادعات، والالتفاف على القوانين أو أية إجراءات إدارية قد تعوق عمليات الغسيل، وغالباً ما تتستر هذه العمليات وراء أسماء كبيرة لشركات أو مستثمرين أو سياسيين أو مشاهير.
ونتيجة لتلك التغيرات الاقتصادية على الساحة العالمية، فقد تم تأسيس منظمة عالمية تعنى بعمليات غسيل الأموال والجرائم المتعلقة بها، وهي اللجنة الدولية لمكافحة عمليات غسيل الأموالThe Financial Action Task Force FATF في باريس عام 1989؛ وذلك التوافق مع الاتجاه العالمي للحد من عمليات غسيل الأموال للتطوير والمساعدة على أخذ موقف دولي موحّد من عمليات غسيل الأموال. ويبلغ عدد أعضائها 31 دولة، إضافة إلى عدد من البنوك العالمية والمنظمات ذات العلاقة.
واستنادا إلى تقارير تلك اللجنة فإن ما يتم غسله من الأموال المحصلة من مختلف أنواع الأنشطة والأعمال غير القانونية حول العالم يزيد على تريليون دولار سنويا، وهذا بلا شك رقم كبير يستدعي أن يكون هناك جهد عالمي للتصدي له.
وغالبا ما تكون العقول المدبرة لغسيل الأموال تعيش في اقتصاديات متقدمة وتجني أموالها القذرة منها، وتكون عمليات إنشاء تلك الأموال في دول متأخرة اقتصاديا وقانونيا، مما يجعل من الصعوبة بمكان إجراء عمليات تبييض الأموال في الدول المتقدمة لتقدم الأنظمة الرقابية لديها. ولا عجب في أن تكون دول العالم الثالث جهات مفضلة لعصابات غسيل الأموال، خصوصا دول الفساد الإداري تعتبر مناطق متاحة لغسيل الأموال لأسباب كثيرة منها الفساد الإداري والقفز فوق القوانين والأنظمة، وكذلك ضعف الرقابة وغياب القانون في أحيان كثيرة. وكذلك تكثر في دول لا يوجد لديها قوانين خاصة بغسيل الأموال في ظل تقدم التقنيات المصرفية، والتي يمكن من خلالها تحويل الكثير من الأموال القذرة حول العالم بسهولة.
وفي مقال الأسبوع المقبل سنتعرّف بشكل أكبر على الآثار السلبية لعمليات غسيل الأموال في اقتصاديات الدول، وكذلك على آثارها في المجتمعات كجزء رئيسي مكون للاقتصاد.