توثيق عهد الملك عبد الله في عملة نقدية
تعتبر العملة النقدية التي يتداولها الناس وثيقة مهمة ورسمية للدولة، وجرت العادة أن تحمل ما يعكس المكونات التاريخية والحضارية المميزة والرموز الوطنية التي قدمت لأمتها ووطنها أعمالا توجب التخليد والتوثيق، وأعتقد أنه من متطلبات المرحلة المميزة التي نمر بها حاليا أن يتم إصدار عملة نقدية جديدة توثق لعهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، وهذا المطلب ليس بدافع العاطفة، فعهد الملك عبد الله وفقه الله تميز فعلا بإنجازات كبيرة متلاحقة فاقت المدة الزمنية لتوليه مسؤولية الحكم، فمع مقدم عهده الميمون أكرمنا سبحانه وتعالى بفيض دخل فاق كل التوقعات حين ارتفع سعر برميل النفط حتى تعدى 60 دولارا، وهو ما أمَّن لنا دخلا أخرجنا من عنق زجاجة السنوات العجاف السابقة حين انحدر سعر النفط وتحملنا فيه مصروفات باهظة لمواجهة الظروف التي مرت بالمنطقة كما نعرفها جميعاً، وهو ما أجبرنا على الاستدانة التي حملت الدولة عبء دين عام وفوائد مرهقة ومؤثرة سلبا في الاقتصاد الوطني، وجاء ارتفاع سعر النفط ليتضاعف مرتين وثلاث مرات كحبل النجاة المنتظر لدعم قدراتنا المالية لمواجهة المتطلبات وأهمها معالجة الدين العام الذي كان يمثل هما ثقيلا لو استمر دون توافر القدرة على تقليصه حتى يتم التخلص منه نهائيا، ومن فوائده التي ما إن تبدأ فلن تنتهي لأنها كالسرطان الذي ينهش الاقتصاد الوطني، وهذا ما حدث فعلا على يد الملك عبد الله، حفظه الله، حين ركز في السنوات التي أمن فيها لنا دخلا مجزيا على تقليص الدين العام سنة بعد أخرى وبقدر حاصر تبعاته السلبية دون أن يعطل قدرات الدولة على القيام بمهامها، فإعطاء الأولوية لتسديد الدين العام خطوة اقتصادية استراتيجية تحسب للملك عبد الله سوف تذكره له الأجيال القادمة.
أما ما يخص الإنجازات الأخرى التي طبعت عهده بتحولات تنموية استراتيجية على المديين القريب والبعيد فتبرز المدن الاقتصادية العملاقة في كل أرجاء المملكة التي يؤكد الاقتصاديون أنها سوف تسهم في إرساء تنمية دائمة ومستمرة وتعتبر نقلة حضارية مؤسسة على قواعد قوية وقابلة للنمو والتطور لكونها تمتلك البنية الأساسية والإنتاجية، وهذا هو المأمول والمتوقع ولكن متى ما أديرت بفكر اقتصادي خلاق وأسلوب إداري فعال لا تعرقله بيروقراطية ضارة بالتركيز الكلي والكامل على الإنتاجية الفعلية والعملية، ففكرة هذه المدن الاقتصادية إذا ما فعلت إيجابيا تحسب أيضاً للملك عبد الله ولعهده وتسجل في تاريخه.
إذا انتقلنا إلى التعليم وهو مكون أساسي في التنمية وخاصة البشرية، فنجد أن عهد الملك عبد الله، حفظه الله، تميز وبقوة بالتوسع في التعليم وخاصة الجامعي منه، فعلى مدى العامين الماضيين أنشئت عدة جامعات جديدة، منها جامعة للعلوم والتقنية سوف تحمل اسمه، حفظه الله، وهنا أورد مقولة تنسب للملك عبد الله توضح مدى رؤيته فيما يخص التعليم وهي قوله، حسبما نقل عنه بأنه: يريد أن يأتي الناس من كل العالم للتعلم في المملكة كما يأتي الحجيج إلى مكة المكرمة، وهذه مقاربة عميقة حين ماثلت بين قوة الدافع الإيماني هنا والتعليمي هناك، مع الفارق بالطبع، ولهذا فلم يكن مستغربا أن نلحظ اهتمامه وعنايته بالتعليم بتعدد مجالاته، فالقطاع التعليمي شهد ويشهد تحولات واسعة وكبيرة في عهده، حفظه الله، من التعليم العام إلى الجامعي إلى التعليم التقني والمهني، وهو ما يعكس أن نظرته للتعليم نظرة بعيدة المدى بهدف تكوين قاعدة تعليمية متعددة تجعل من المملكة دولة منتجة للتعليم والعلم، وهذه أيضاً رؤية استراتيجية سوف تضاف لرصيد إنجازات عهده، حفظه الله.
أجمل إنجازات عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، وفقه الله، التي تفوق في كمها ونوعها الفترة الزمنية لعهده حتى الآن، في أنها إنجازات مهمة وأساسية تؤسس لنهضة قادمة سوف تثمر عن بناء سوف يظل عطاؤه دافقا لأجيال قادمة وذلك حين تم استثمار الدخل العام الذي تدفق بخير من الله خصوصا في الأعوام الأخيرة، في إعادة عجلة التنمية للدوران من جديد ولكن وفق رؤية استراتيجية مستقبلية ترسي نهضة منتجة وليست فقط استهلاكية.
من هذا المنطلق وانعكاسا للإنجازات الكبيرة والأساسية التي تتحقق في عهده، فإن أهمية إصدار عملة توثق وتعكس كل هذه الإنجازات وقيمتها تنبع من الحاجة إلى تكريمه، حفظه الله، وتعبيرا عن تقدير لدوره الكبير في إطلاق كل هذه الإنجازات التنموية من جهة، ومن جهة أخرى استحقاقا له على دوره البارز في تبنيه عدة برامج إصلاحية من سياسة الترشيد مرورا بالانفتاح الفكري عبر إطلاقه الحوار الوطني وليس انتهاء بتقنين المصروفات وعنايته بالبرامج الخيرية التي أطلقها وأشرف عليها، كإنشاء مساكن للفقراء والمحتاجين التي تعكس جانبا آخر من إنجازاته الإنسانية أيضاً.
وإنجازات عهد الملك عبد الله، حفظه الله، ما هي إلا امتداد لإنجازات من سبقه من ملوكنا، رحمهم الله، جميعا بداية من إنجازات المؤسس، طيب الله ثراه، وأعظمها وأجلها توحيد البلاد في وطن واحد وانتهاء بإنجازات عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد، رحمه الله، فجميعهم حققوا إنجازات تشكل منها الوطن حاليا، وإن كنت قد اقترحت إصدار عملة جديدة تحمل توثيقا لعهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، وفقه الله، فإني أقترح أيضاً تكريما لملوكنا الراحلين، رحمهم الله، جميعا وحفظا لذكراهم أن تتضمن العملة الجديدة في فئتين أو ثلاث منها ما يوثق إنجازاتهم أيضاً وفاء لهم وتكريما لعطائهم.