السياحة الداخلية.. المواصلات.. ليس السماع كالمعاينة
لا يمكن الحديث عن السياحة في أي مكان في العالم من دون أن يتطرق المتناقشون إلى موضوع المواصلات كأحد أركان البنية الأساسية للسياحة، وإذا ما كانت الدولة هي السعودية فلا بد أن يكون لهذا المحور نصيب كبير من الأحرف والكلمات والنقد والذم والمديح والهجاء.
مواصلاتنا الجوية ممثلة في الخطوط السعودية نسأل الله لها الفرج على يد مهندسها الجديد: خالد الملحم، ونتوقع الكثير من التغيير مع دخول الشركات المنافسة ومن المؤكد سيكون التغيير في صالح المستفيدين من الخدمة، وتجربة "الاتصالات" و"موبايلي" خير برهان على ذلك، أما مشروع السكة الحديد فالعمل قائم على قدم وساق في جميع الاتجاهات، وإن كنا نطالب أن يتم إعطاء الأولوية لمنطقة الحجاز، خاصة في عملية التواصل بين مكة والمدينة، وما بين الحرمين الشريفين والمطارات المحيطة، ومن المنطقة المركزية في مكة المكرمة إلى مواقف الزوار خارجها.
أما الطرق البرية فحدث عنها ولا حرج، فالسفر بالسيارة هو أقل وسائل السفر تكلفة وأسهلها وأقلها تعقيداً كما أنه أكثر وسائل السفر استخداماً، وقد قامت الدولة بجهود جبارة لا يمكن لجاحد إنكارها في سبيل ربط أنحاء المملكة بشبكة هائلة من الطرق السريعة، وإن كان هناك نقص في ربط بعض المناطق مثل منطقة عسير، ولا يعكر صفو السفر بالسيارة سوى الضعف الشديد في الخدمات المتوافرة عليها، فالمسافر بالسيارة يحتاج إلى العديد من الخدمات خلال سفره، أهمها:
* محطات الوقود.
* مطاعم ومقاه.
* بقالات.
* دورات مياه.
* مساجد وأماكن للوضوء.
* مراكز صيانة سريعة.
* استراحات باليوم أو بالساعة.
وإذا اتفقنا على روعة خطوطنا البرية فإن توافر هذه الخدمات بالشكل المناسب هو قوام متعة السفر بالسيارة ويسرها وسهولتها.
لقد قامت شركة خدمات السيارات وهي شركة مساهمة رأس مالها 450 مليون ريال، كشركة متخصصة في تملك مراكز لخدمة السيارات والمسافرين والاستراحات والموتيلات والمطاعم على الطرق مدعمة بوسائل الإسعاف والصيانة الحديثة، وقد أعطيت الشركة إعانات نقدية ضخمة مقابل كل مركز خدمة سيارات (محطة وقود بخدماتها) تقيمه، كما أعطيت امتيازاً حصرياً لطريق الرياض - القصيم السريع، وبالرغم من ذلك كله فقد فشلت الشركة فشلاً ذريعاً في تحقيق متعة السفر براً، حيث إن خدماتها لم ترتق إلى المستوى المأمول، بالرغم من أن محطاتها صممت تصميما جميلاً مكتمل الخدمات وأنشئت على مستوى عال، ولكن لم يواكب ذلك جودة في التشغيل حيث لا يختلف مستوى التشغيل فيها عن أكثر المحطات الأخرى المنتشرة على طرقنا السريعة، التي تتصف بسوء الخدمة وفوضى المكان وقذارة دورات المياه وانسدادها (أكرم الله القراء) وتعطل معظم مصادر المياه فيها، إضافة إلى افتقار المطاعم لأبسط المتطلبات الصحية، أما استراحات الإقامة في هذه المراكز فالحديث عنها غير محتمل.
لقد من الله على بالسفر براً في كثير من دول العالم، سواء في أمريكا وكندا وأوروبا حيث لا جدوى من مقارنة الثرى بالثريا، أو دول آسيا مثل ماليزيا وإندونيسيا أو في جنوب إفريقيا حيث تعتبر خدمات الطرق لدينا صفراً على الشمال، حتى عند مقارنة خدمات الطرق لدينا مع الخدمات المقدمة في دول الخليج فإننا وللأسف بعيدون جداً عن مستواها، ولا أخفي على القراء سراً بأنني عادة عندما أسافر براً فإني أجهز سيارتي من الرياض بجميع الاحتياجات، بما في ذلك ساتر وماء لقضاء الحاجة في البر (أعزكم الله) بدلا من استخدام دورات المياه المقززة في المحطات على الطريق، ولا يبقى إلا الوقود الذي لا يمكن تعبئته إلا من محطات الوقود.
إذا أردنا تنشيط السياحة الداخلية فلا بد من الاهتمام بأحد أهم مقوماتها وهو الخدمات المتوافرة على الطرق، وهذه الخدمات جزء لا يتجزأ من مكونات مراكز الخدمة على الطريق، والتي يجب تصنيفها على أساس توافرها وجودتها، حيث يجب أن يتوافر في كل مركز (محطة) حد أدنى من مستوى الخدمات، وإذا لم يتوافر هذا المستوى تتم معاقبة المركز، كما يمكن سحب الرخصة منه وإقفاله عند تردي المستوى إلى حد معين، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بأنظمة واضحة ومراقبة متتابعة وتطبيق صارم بعيد عن الواسطة والمحسوبية.
إن مراكز الخدمة على الطرق تشوه الوجه الجميل لخطوطنا السريعة والداخلية، واستمرارها بهذا الشكل سيؤثر ولا شك على عمق السياحة الداخلية التي يعتبر التنقل بالسيارة أحد أهم مقوماتها، والحقيقة التي لا غبار عليها هي أن هذا التشويه لا يمس سياحتنا الداخلية فقط وإنما يعكس حقيقة ثقافتنا و حضارتنا، وقبولنا للوضع القائم، وعدم تقويمه إنما يؤكد هذا الواقع المؤلم.
ختاماً.. أدعو المسؤولين في وزارة المواصلات وفي هيئة السياحة إلى السفر براً، واستخدام مرافق مراكز الخدمة المنتشرة على الطرق وخاصة دورات المياه قبل الرد على مقالي هذا أو التعليق عليه.