مهارات التواصل الناجح مع الأطراف المعنية
تنبع أهمية التواصل الناجح مع الأطراف المعنية بالمشروع من أنه يساعد على فهم احتياجات هذه الأطراف وتلبية متطلباتهم، وحل الخلافات، والحصول على دعمهم، وتسريع نشاطاتهم وقراراتهم بكفاءة عالية، والحد من تدخلاتهم السلبية، فضلاً عن ضمان قبولهم لمخرجات المشروع المنجز. وقد يكون الطرف المعني مؤسسة أو شخصاً له مصلحة قانونية في مشروع أو كيان ما. بيد أن تحقيق هذا النوع من التواصل مهمة ليست بالسهلة أبداً، بل إن احتمالات الفشل في بلوغ هذه الغاية تفوق احتمالات النجاح.
والسبب في ذلك يعود إلى اختلاف الأدوار التي تلعبها هذه الأطراف، فالمسألة التي تهم هذا الطرف قد لا تكون بالأهمية نفسها بالنسبة لطرف آخر. كما أن علاقة هذه الأطراف بالمشروع المعني قد تختلف من حيث كونها تعاقدية أو غير تعاقدية على سبيل المثال. وبناء على ذلك، يجب أن يتم تحديد مادة التواصل وآليته بدقة متناهية وحرص كبير حتى ولو كانت الأطراف المعنية أعضاءً في المؤسسة نفسها، فالتواصل مع الإدارة العليا يختلف عن التواصل مع النظراء والأعضاء الآخرين في الفريق ذاته. يضاف إلى ذلك، أن الأطراف المعنية قد تختلف عن بعضها من حيث الخلفية الثقافية والاجتماعية، ناهيك عن صعوبة فهم اللهجة في كثير من الأحيان، الأمر الذي يشكل عبئاً إضافياً أثناء محاولة التواصل مع تلك الأطراف، إذ قد يساء فهم الرسالة المطلوبة.
ومن هنا يمكننا القول إن إدارة المشاريع هي فن وعلم، وتطبيق الشق العلمي أسهل بكثير من الشق الفني. فالجانب الأول يشمل تعلم وممارسة العمليات والمجالات التي حددتها "إدارة المشاريع" كشروط مسبقة يجب أن يستوفيها المرء قبل أن يصبح مديراً للمشروع. وهذه العمليات تشرح كيفية إطلاق وتخطيط وتطبيق وإقفال المشروع، كما تراعي في الوقت ذاته جوانب أخرى تشمل إدارة حجم العمل والجدول الزمني والتكلفة والنوعية والموارد البشرية والاتصالات والمخاطر والمشتريات، وتعمل على مكاملتها. ويشمل علم إدارة المشاريع توزيع حجم العمل من خلال أسلوب يسمى "هيكل تقسيم العمل"، وتطوير خطة المشروع والموارد المطلوبة، ووضع ميزانية المشروع، وتحديد مهام فريق العمل، وآليات معالجة المخاطر، وشراء المنتجات والخدمات، وإدارة العقود إضافة إلى أشياء عديدة أخرى.
أما الشق الفني فيشمل المهارات الشخصية التي يجب أن تتوافر لدى مدير المشروع الذي يريد أن يكون ممسكاً بزمام الأمور وقادراً على تحقيق التواصل الناجح مع الأطراف المعنية على اختلاف أدوارها في المشروع. وتنضوي تلك المهارات تحت مفهوم "الذكاء العاطفي"، وهو كما يعرفه الدكتور روبرت كيه. كوبر، القدرة على تحديد وفهم المشاعر الذاتية ومشاعر الآخرين حتى نتمكن من إدارة علاقتنا معهم بالشكل المناسب. ويتكون الذكاء العاطفي من نوعين من المهارات: المهارات الشخصية والمهارات الاجتماعية.
والمهارات الشخصية هي التي تتيح لنا فهم وإدارة مشاعرنا وسلوكياتنا من خلال الوعي الذاتي والإدارة الذاتية. أما المهارات الاجتماعية، فهي التي تمكننا من إدارة علاقاتنا مع الآخرين بشكل واع. وهناك عوامل عديدة تساعد في تطوير المهارات الشخصية منها معرفة وإدراك الشخص نقاط قوته وحدود إمكانياته، والثقة بالنفس والقدرة على ضبط النفس والتكيّف، وتحمل المسؤولية والنزاهة، والرغبة الدائمة في التطور. وفي المقابل، هناك عوامل تلعب دوراً أساسياً في تطوير المهارات الاجتماعية، وتشمل القدرة على فهم وإدراك مشاعر الآخرين وامتلاك القدرة على التأثير والإقناع، فضلاً عن القدرة على الإنصات والتحدث والعمل بروح الفريق، والرغبة في مساعدة وتشجيع الآخرين.
وعليه، إن تحقيق تواصل ناجح مع الأطراف المعنية ليس مهمة مستحيلة، ولكنه تتطلب مجموعة من مهارات "الذكاء العاطفي" التي يمكن للمرء أن يتعلمها ويطورها. وتشير الأبحاث إلى أن الكفاءة العاطفية ترتفع مع التقدم في العمر. فالأشخاص في الأربعينات والخمسينات من العمر، يتمتعون بمهارات عاطفية أفضل، مقارنة بما كانوا عليه في مراحل أبكر من حياتهم.