عندما تنحرف سوق الأسهم عن مهمتها ..

[email protected]

سوق المال تمثل بديلا تمويليا كبيرا يلجأ إليه مجتمع الأعمال لتمويل مشاريعهم الحالية أو المستقبلية، وكلنا يعلم أهمية وجود آليات تمويل فعالة تلبي احتياجات مجتمع الأعمال وتحفظ حقوق جميع الأطراف ذات الصلة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بعمليات التمويل تلك، وكلنا يعلم أن هيئة السوق المالية هي الجهة المنظمة والمطورة لآليات السوق المالية لتلعب دورها الحقيقي في دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام.
وكلنا يعلم أن السوق المالية تنقسم إلى قسمين، سوق أولية وهي سوق إصدارات الأوراق المالية (أسهم، سندات، وحدات صناديق استثمار ..إلخ) يتم من خلالها تمويل مجتمع الأعمال بالتمويل الذي يحتاجون إليه لتأسيس أو تطوير أعمالهم من مدخرات المواطنين والمستثمرين، وسوق ثانوية يتم من خلالها تداول تلك الأوراق المالية بما يمكن ملاكها الذين اشتروها من السوق الأولية أو الثانوية من تسييلها إذا رغبوا في ذلك بكل سهولة ويسر، والاقتصاديون والماليون يعلمون علم اليقين العلاقة الطردية بين السوقين، الأولية والثانوية، فانتعاش الثانية يعني انتعاش الأولى والعكس صحيح.
يقال إن القنابل الذكية الموجهة بالليزر تصيب الهدف المطلوب بدرجة كبيرة من الدقة، ولكنها إذا انحرفت عن خط الليزر المرسوم لها يكون انحرافها شديدا وقاتلا وغير محسوب النتائج، وفي ظني أن السوق الثانوية وخصوصا سوق الأسهم الثانوية التي يتم من خلالها تداول الأسهم بين المواطنين والمقيمين ذات أهداف ذكية تتمثل في تحفيز العامة لشراء أسهم الاكتتاب من أجل تمويل رجال الأعمال من خلال مدخرات المواطنين الكبيرة من تطوير كافة القطاعات الاقتصادية وبالتالي رفع الناتج المحلي الإجمالي وما يترتب على ذلك من نتائج إيجابية كبيرة لا تعد ولا تحصى، ولكن إذا انحرفت تلك عن السوق عن هذا الهدف فإن انحرافها يكون شديدا وذا آثار مدمرة لا يعرف أحد مداها.
ولأوضح لكم ذلك تعالوا نرى كيف عملت سوق الأسهم الثانوية في الفترة من 2003 - 2005، حيث انحرفت عن مسارها المرسوم لها، إذ أدت بشكل كبير إلى حرمان مجتمع الأعمال من الحصول على التمويل من السوق المالية ذلك أن الجميع ذهب بأمواله للمضاربة في سوق الأسهم الثانوية وأصبحت المليارات تدور في هذه السوق دون قيمة تذكر ما أوقف حال جميع الأنشطة الاقتصادية الأخرى، حيث توجه الجميع إلى سوق الأسهم من أجل الحصول على الأرباح الكبيرة في أوقات قصيرة، حتى قام البعض من رجال الأعمال أصحاب الخبرة في مجالات عملهم ببيع أعمالهم والتوجه بالأموال إلى سوق الأسهم، ما أصاب الأعمال بركود كبير فلا تسأل أهل قطاع اقتصادي إلا ويقولون الأموال في سوق الأسهم ونحن ننتظر أن تنتهي هذه اللعبة.
ولم يقتصر الضرر على هذا الحد بل تعداه إلى انخفاض القوة الإنتاجية لكافة موظفي القطاعين العام والخاص، حيث الجميع متسمر أمام شاشات التداول لأربع ساعات يوميا، وعندما تنتهي تلك الساعات تضيع ضعفها في السؤال عن التطورات والتغيرات وتتبع الشائعات في جو نفسي مشحون يشل العقل واليد عن الإنتاج، وفي ظني أن الخسائر نتيجة لذلك لا يمكن حصرها.
وهل انتهى الأمر عند ذلك ؟ كلا فالأمر أدى إلى تشكل فقاعة كبيرة انفجرت على رؤوس الجميع خرج منها الهوامير بمليارات الريالات وهم لا يزيدون في حال من الأحوال على 3 في المائة من المتداولين، وخرج منها معظم إن لم يكن كل المتداولين الآخرين بالحسرة والألم والندم والخسائر الكبيرة ، وأنا متأكد أنه لا أحد يستطيع أن يعدد الخسائر المالية والاجتماعية التي ترتبت على ذلك، ولكن ما أنا متأكد منه أن الأموال أصبحت دولة بين الأغنياء، وتحمل معظم المواطنين قروضا كبيرة سيستمرون في تسديدها لسنوات طويلة من دخولهم الشهرية التي لم تعد تفي بمتطلبات الحياة اليومية في ظل الارتفاعات الكبيرة في أسعار السلع والخدمات التي تلهبنا جميعا حاليا.
عندما انهارت سوق الأسهم في شباط (فبراير) عام 2006م عاد الناس لأعمالهم وعادت الحركة الاقتصادية إلى طبيعتها تدريجيا، وبدأنا نحس بالإنتاجية والعودة للأعمال التجارية ذات القيمة المضافة على الاقتصاد، وكنا نثق كل الثقة بأن هيئة السوق المالية تدفع باتجاه سوق مالية ناضجة تلعب دورها الحقيقي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوقعنا جميعا أن عام 2007 سيكون عام استقرار سوق الأسهم ما يجعلها سوقا استثمارية تحفز السوق الأولية لتلعب دورها في الاستجابة لمتطلبات التنمية، ولكننا وللأسف الشديد نرى هذه الأيام عودة مجنونة للمضاربة في سوق الأسهم الثانوية بشكل لا يمت للمنطق بصلة، وكأن ما دفعناه من تكاليف باهظة لا يكفي لكي نتعلم من خطورة هذا العبث، وأن علينا أن نأكل ضربة أخرى لنصحو، لأننا لا نحس بالوجع من الضربة الأولى، فنحن أصحاب نظرية ضربتين في الرأس توجع!!
ختاما أود أن أقول للإخوة في هيئة السوق المالية أرجوكم ثم أرجوكم أن تجدوا آلية للحد من المضاربات الضارة التي حادت بالسوق المالية عن تحقيق أهدافها المرجوة وجعلتها وبالا علينا بدل أن تكون خيرا ونعيما، وفي ظني أن تأخير التسويات بين البائع والمشتري لمدة معينة ولو تكون بحدود الدقائق إحدى الآليات التي تحد من المضاربات المجنونة والتدوير الهائل الذي نراه يوميا بشكل ينذر بخطر قادم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي