الآثار السلبية لثقافة "قلق التكلفة" على المستثمرين في سوق الأسهم

[email protected]

يشتهر مجتمع الأعمال السعودي بثقافة " قلق التكلفة " في كافة القطاعات الاقتصادية بشكل أدى إلى ضياع الكثير من الفرص المحققة للعوائد التي يمكن تحقيقها بانحسار تلك الثقافة وسيادة الثقافة القائلة بارتباط الإيرادات بالتكاليف، كمفهوم " تكاليف الإيرادات " المتعارف عليه محاسبيا.
وهذا القلق يتضح بشكل كبير في الصرف على اللاملموس، حيث يعتبر الكثير من رجال الأعمال الصرف على تلك البنود تبذيرا لا داعي له، وهو ما أدى بشكل تلقائي إلى تباطؤ شديد في نمو الكثير من المنشآت التجارية إن لم يكن في خسارتها وخروجها من السوق بسبب دخول المستثمرين في المشروع دون دراسات شاملة وحديثة ودقيقة تأخذ كل المتغيرات بعين الاعتبار اعتقادا منهم أنهم قاموا بتوفير تكاليف الدراسة التي لا تشكل بحال من الأحوال أكثر من 2-3 في المائة من تكلفة المشروع.
عدم الصرف على اللا ملموس لتوفير تكاليفه أدى بشكل تلقائي إلى غياب أو لنقل ندرة مراكز الدراسات والبحوث والاستشارات الجادة والحقيقية، حيث يغلب على الموجود القيام بدور توفير الأوراق اللازمة لاستكمال إجراءات الترخيص أو المستندات اللازمة للحصول على القروض من البنوك التنموية.
وإذا علمنا أن رأس المال جبان ورأينا الكثير من المستثمرين في سوق الأسهم وهم يتخذون قرارات شراء الأسهم غير مكترثين بأموالهم التي رموا بها في سوق عالية المخاطر، مؤكدين لنا أن لدينا مواطنين يعملون وفق مقولة "رأس المال المتهور" الذي لا يخشى مالكه خسارة وإن كانت كبيرة، أقول إذا رأينا ذلك فإنه يتأكد لنا الآثار السلبية لسيادة ثقافة "قلق التكلفة "، حيث يخشى هؤلاء المستثمرون ضياع عمولة بسيطة تقدم للشركات الاستشارية مقابل عدم خشيتهم من ضياع معظم أموالهم في المضاربة في سوق متغيراتها متعددة ومتشابكة ومعقدة وكأنها بحر لجي لا ينجو منه إلا من كان ضليعا في التعامل مع مثل هذه الأحوال الصعبة.
إن الآثار السلبية المترتبة على شيوع تلك الثقافة أدت إلى غياب الشركات المالية لمدة طويلة لعدم الحاجة إليها، وعندما ظهرت فإنني على يقين أنها ستعاني من عزوف معظم المستثمرين والمضاربين في سوق الأسهم عنها باعتبار أنها تطالب بتكاليف لا داعي لها ويمكن تجنبها، فالمسألة لا تحتاج إلى أكثر من فتح حساب ومحفظة في أحد البنوك ومن ثم شراء وبيع الأسهم وتحقيق الخسائر المتلاحقة بناء على التوصيات القائمة على الشائعات المضللة.
شيوع تلك الثقافة أدى أيضا إلى ضياع الأموال الذي أفرز مشاكل اجتماعية واقتصادية كثيرة لم تقم أي جهة لغاية اليوم بقياسها وتحديدها وإعداد وتنفيذ الخطة اللازمة للتصدي لها، حيث أوكلت تلك المهمة للمجتمع لامتصاصها بطريقة عشوائية، وبالتالي فإن هذه الآثار السلبية غير معروفة العمق والشدة لغاية الآن سوى ما نسمعه هنا وهناك من قصص تدمي القلوب وتدمع العيون.
ماذا أريد؟ وماذا يريد كل راغب في أن تقوم السوق المالية بدورها المنتظر في التنمية الاقتصادية؟ نريد جميعا أن تعود سوق الأسهم الثانوية إلى الجادة الصحيحة لتلعب دورها في توفير قناة استثمارية لأصحاب المدخرات من ناحية، كما تلعب دورها في تنشيط السوق الأولية (الاكتتابات) في سبيل قيام المزيد من الشركات القادرة على تقديم أجود أنواع الخدمات والسلع، بمعنى أن تلعب السوق المالية دورها الحقيقي في الاستجابة لمتطلبات مجتمع الأعمال للقيام بمسؤولياتهم بالنهوض بالاقتصاد الوطني.
وهذا ما لا يمكن أن يكون إلا بانحسار شديد لثقافة "قلق التكلفة" واستبداله بثقافة "ما خاب من استشار" أو "أعط العجين للخباز ولو أكل نصفه" أي أننا نريد للمستثمر أو المضارب في سوق الأسهم الاستعانة بالشركات المرخصة من قبل الهيئة للقيام بمهمة التعامل مع السوق المالية بدلا منه لنرفع عنه القلق والخسائر الكبيرة ذات الآثار المدمرة صحيا واقتصاديا واجتماعيا، وهذا في ظني يحتاج لجهود توعوية كبيرة من هيئة السوق المالية بالتحالف مع الشركات المالية المرخص لها، جهودا مخططة ومنظمة ومستمرة حتى يتحقق الهدف بإذن الله وننعم جميعا بسوق مالية ذات آثار إيجابية على الجميع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي