"طفش" الشباب!

[email protected]

من وجهة نظر علم النفس، ليس هناك أغلى من النفس لدى كل إنسان. وهذه النفس قد يصيبها الإحباط فتميل إلى عقاب الجسد الذي تنتمي إليه، وقد تصل إلى درجة عالية من الموضوعية والإيثار لتقبل على الآخرين بكل إيجابية.
والمواضيع الخاصة بالنفس البشرية هي الأكثر بحثاً ودراسةً ، والحديث عن هذه النفس في المجتمعات بصفة عامة هو الأكثر شيوعاً، وطمأنينة النفس لن تتأتى إلا بالإيمان والرضا، وما ينتمي إلى ذلك من العلاقات الجيدة مع المجتمع المحيط دون ضرر أو إضرار ، لأن الإنسان الذي يرضى بذاته يشعر بالرضا عن كل ما حوله وعن الحياة بصفة عامة، لذا فإن الفراغ النفسي بلا شك سينطوي على شعور بالرثاء للنفس وبما يعمم الحديث السلبي، وكثرة الشكوى والتبرم.
تلك التوطئة أعلاه تراءت لي وأنا أسمع بين الفينة والأخرى كثيراً من شبابنا يرددون أن " ليس لهم خلق" ، أو"أنفسهم ضايقة" .. وحتى من خلال المسلسلات والبرامج العربية أو الحوارات العفوية تجد مثل هذه الكلمات، أي أن الطفش حالة شبابية عربية .. والمتتبع لحال هؤلاء الشباب الطفشانين يجد أن كل مقومات العيش والاجتهاد ونبذ الفراغ الذي هو المدعاة الأولى للطفش متوافرة لهم ، لكن ما باليد حيلة وهم يعتقدون أن على آليات الفرح والسرور أن تأتي إليهم طائعة ، على عكس قلة قليلة من بينهم تداوي الفراغ بالقراءة ، أو حتى بمشاهدة البرامج النافعة أو بمزاولة الرياضة .. لكن التسدح في الاستراحات والدوران بالسيارات، أو انغماس مبالغ فيه أمام الإنترنت والعبث السلبي داخلة، تلك بلا شك من أهم الجالبات للطفش.
ومع ذلك فالحقيقة أن كثيراً من شبابنا لم يحاولوا طرق الجوانب الإيجابية لمحو ظاهرة الطفش التي يعلنون عنها بين الفينة والأخرى ، وأيضا كمجتمع لم نجد لدى هذا المجتمع ما ينمي وعيهم بالشكل المطلوب ، فكم من برنامج توعوي يدعو للقراءة أو ممارسة الرياضة الإيجابية؟ وكم من برامج تثقيفية قد أعلن عنها تدفع الشباب إلى استخدام أمثل للتقنيات الحديثة؟ الإجابة.. تكاد تكون معروفة من فرط قلة ما تساءلنا عنه، إذاً فالكل منغمسون معهم في هذا الشأن، لأننا لم نصنع عوامل تساعدنا على تجاوز الضيق والطفش.. وإن كان مجتمعنا قد بدأ بالتنبه حديثاً لمثل ذلك ولو بشكل خجول، ولنأخذ مثلاً ما يتم الآن نشره عن أماكن منظمة ومرتبة للمشاة، فمثل تلك وعلى بساطتها قد جعلت من أوقات الفراغ للبعض ذات مردود إيجابي على صحتهم ونفسياتهم.
يحتاج شبابنا بخاصة اليافعين منهم إلى أن يكونوا أكثر قدرة على تجاوز انغلاقهم وكسلهم، وأن يتخلوا عن رخاوة الطباع والسلبية في التعامل مع الذات، من خلال خلق نواح إيجابية تسد ظلمة الفراغ الذي يدفعهم إلى التبرم .. وحسبي أن مثل ذلك لن يتأتى إلا حين تتجاوز النفس ضيق النفس، لتقفز لتبحث عما يسد فراغ هذه النفس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي