نحن أبعد ما نكون عن تشخيص مشكلة التعليم

[email protected]

الجدل الدائر حالياً حول قرار وزارة التربية والتعليم السماح للمدارس الأهلية باختيار المناهج ولغة التعليم التي تراها مناسبة لجميع المواد عدا مادتي اللغة العربية والدين، يُظهر أننا أبعد ما نكون عن تشخيص مشكلة التعليم في بلادنا، وكل ما نقوم به حتى الآن هو مجرد تحويل قطاعنا التعليمي إلى حقل تجارب لحلول سطحية فشلت في انتشاله من كبوته وتسببت في استمرار تدهوره يوما بعد آخر، ونحن أشبه بالطبيب الذي أخطأ في تشخيص حالة مريض وصرف دواء له لا يشفي، وأمام هذا الوضع وبدلا من إعادة تشخيص المرض والبحث في أسباب عدم فاعلية الدواء، اكتفى الطبيب بصرف دواء بديل.
فاختزال مشكلات التعليم في عدم تدريس اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية، أو الاعتقاد أن الحل في تدريس المواد العلمية بغير العربية، أو في استخدام أسلوب التقييم بدلا من الامتحانات أو في إلغاء الامتحانات الشهرية، ونحو ذلك من إجراءات، يمثل دون أدنى شك خللا في تشخيص المشكلة قادنا تلقائيا إلى حلول غير فاعلة، أصبحنا من جرائها ندور في حلقة مفرغة دون نتائج مرضية، وبقينا بعيدين كل البعد عن مناقشة المعضلات الحقيقية التي تواجه نظامنا التعليمي. فما يعانيه نظامنا التعليمي أعمق وأخطر من أن يختزل في مشكلة مناهج أو في مستوى بدء تدريس اللغة الإنجليزية، فطالب يدرس اللغة الإنجليزية على مدى ست سنوات ولا يستوعب منها شيئا يذكر، لا يمكن أن يكون تدريسه اللغة الإنجليزية بدءا من الصف السادس بدلا من الصف الأول متوسط حلا سحريا ينهي مشكلته. فمعظم الطلاب الملتحقين بالمدارس الأهلية، على سبيل المثال، يدرسون اللغة الإنجليزية بدءا من مرحلة الروضة والتمهيدي، ومع كل ذلك فحصيلتهم الإنجليزية في الغالب لا تزيد كثيرا على أقرانهم المتخرجين في المدارس الحكومية. والمشكلة التي تواجه الطلاب عند التحاقهم بالكليات العلمية ليس أنهم تعلموا الرياضيات وغيرها من العلوم الطبيعية بالعربية وتدريسها في تلك الكليات بالإنجليزية، وبالتالي يكون الحل في تدريسهم إياها في مراحل التعليم العام بالإنجليزية، وإنما المشكلة في تدني مستوى تحصيلهم وضحالته بشكل جعلهم غير مؤهلين للالتحاق بالكليات العلمية، أيا كانت لغة التدريس فيها. لذا, فالمشكلة التي تواجه التعليم ليست تخرج الطالب من نظامنا التعليمي بحصيلة علمية غير متوافقة مع احتياجات التنمية ومتطلبات سوق العمل، أو في عدم كفاية الوقت المخصص لتعليم اللغة الإنجليزية في المناهج الحالية، بحيث يكون الحل في تعديل المناهج أو تغيير لغة تعليم بعض المقررات، وإنما هي أعمق وأشد من ذلك بكثير، أهم خصائصها التالي:
1- التراجع المستمر والمتواصل في كفاءة ومستوى أداء مؤسساتنا التعليمية بحيث أصبحت مخرجاتها تفتقر إلى الحد الأدنى من المعارف والمهارات، أيا كان نوعها وبأي لغة كانت، وبلغت من الضعف حدا جعل نسبة لا بأس بها من خريجي المرحلة الثانوية يفتقرون إلى مهارات ومعارف يفترض أن تعليمهم الابتدائي أكثر من كاف لتزويدهم بها.
2 - إن المؤسسات التعليمية تعاني تدني مستوى أداء قطاع كبير من العاملين فيها وغياب أي شعور لديهم بالمسؤولية نحو طلابهم، ما جعلهم غير مكترثين بما يترتب على تقصيرهم من ضرر على مجتمعنا وأجيالنا المقبلة، والذي يبدو جليا من انتشار ظاهرة حذف أجزاء كبيرة من المقررات واختزال المعلمين لها في ملازم لا تتعدى بضع صفحات بل أحيانا في ورقة واحدة فقط، هي كل ما يحتاج إليه الطالب لينجح باقتدار وتميز، أما الكتب الدراسية التي يفترض أنها أعدت بعناية فائقة وكلف إعدادها وطباعتها مبالغ طائلة فلا يكترث لها المعلم مطلقا ولا يعير لها بالا.
3 - إن المؤسسات التعليمية لا تملك أي قدرة على معاقبة معلم مقصر أو مكافأة مجد، فالكل يحصل على علاوة سنوية مضمونة طوال حياتهم الوظيفية، بسبب خضوع المعلمين لكادر وظيفي يساوي في الحقوق والواجبات بين المسيء والمتميز. ورغم مرور ما يزيد على 30 عاما على تطبيق هذا الكادر المحبط المشجع على التقصير وسوء الأداء، لم يجرؤ مسؤول واحد، حتى الآن، على بذل أي جهد لإصلاحه.
4 - إن الطلاب في مستويات التعليم المختلفة يغلب عليهم عدم المبالاة والتبلد، ويملكون إحساسا محدودا بأهمية التعليم، ويفتقرون إلى أي رغبة في التفوق والتميز في التحصيل.
في ظل كل ذلك، فإن الحلول المقترحة لحل مشكلات التعليم لا تعدو كونها رتوشا شكلية لا تغير من الواقع شيئا، ونحن في حاجة إلى مواجهة شجاعة حازمة مع مشكلات نظامنا التعليمي بمستوياته كافة، فاستثماراتنا في هذا القطاع ضخمة وتنمو بسرعة هائلة، ما يتطلب بذل كل جهد ممكن لجعلها استثمارا حقيقيا ينمي رأسمالنا البشري، لا هدرا يعوق جهود التنمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي