"الجبهة" التجارية بين واشنطن وبكين
"نفضل عدم فرض رسوم جمركية على الصين" دونالد ترمب، رئيس الولايات المتحدة
الساحة التجارية بين الولايات المتحدة والصين، لا تزال هادئة، مع بعض المنغصات، رغم مرور نحو أسبوعين على وجود دونالد ترمب في البيت الأبيض للمرة الثانية. كل التوقعات كانت تدور حول قيام الأخير بفرض تعريفات جمركية إضافية عالية على السلع الصينية، في اليوم الأول من وصوله إلى البيت الأبيض. لكن لهجة الرئيس الجديد تراجعت بعض الشيء، وعلى غير عادته، بدأ الحديث عن حل المشكلات التجارية مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم بـ"التفاهمات". هذا جيد جداً، لأن الاقتصاد العالمي لا يتحمل حقاً نشوب حرب تجارية ضخمة، ولا سيما أن المعارك التجارية لم تتوقف أصلاً على الساحة بين الطرفين، حتى في ظل وجود إدارة الرئيس السابق جو بايدن في الحكم.
ترمب، يريد "إنصافاً في المبادلات التجارية مع بكين" كما قال بوضوح، إلا أن هذا الهدوء الغريب، ليس مضموناً لأمد بعيد، قد كسره السبت الماضي بفرض الحد الأدنى الذي وعد به على السلع الصينية وهو 10%. الجانب الصيني، أطلق في كل مناسبة رغبته في التفاهم، ولكنه أبقى ما يمكن تسميته بـ"عصا الرد" مرفوعة إذا ما دعت الحاجة لذلك. فقد كان ترمب يتحدث عن الإنصاف، وفي الوقت نفسه أطلق تحذيراته، بأن لبلاده "نفوذا كبيرا على الصين". أي أن العاصفة قد تظهر في أي لحظة، خصوصاً عندما تستقر الإدارة الأمريكية الجديدة، وتفتح الملفات على مصراعيها، ولا سيما بوجود شخصيات فيها، محسوبة أصلاً على التيار المتشدد حيال الصين. ولا شك، أن "النفوذ" المقصود هنا على بكين، يتعلق ببعض السلع المهمة جداً للصناعة الصينية، خصوصاً تلك الخاصة بالتكنولوجيا، وهذه ثغرة تعمل السلطات الصينية منذ سنوات على سدها.
والمواجهة التجارية هذه لا تقتصر على أكبر اقتصادين في العالم، بل تشمل حتى "حلفاء" واشنطن التاريخيين، الذين دخلوا الحلبة مبكراً، لتوجيه تهديدات مماثلة لترمب، بأنهم سيقومون برفع الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية، ولا سيما بريطانيا والاتحاد الأوروبي. أما المواجهة مع كندا والمكسيك، فلها أبعاداً أخرى، إلى جانب البعد التجاري. الحق، أن ارتباكاً يسود الساحة، ليس بعزم واشنطن على فرض رسوم جمركية إضافية على الصين، بل برفع الرئيس الأمريكي هذه الرسوم التي ستفرض من 10% (قبل شهرين تقريباً من وصوله إلى البيت الأبيض)، إلى 60%، فوق ما هو مفروض أصلاً! ورغم أن مثل هذه التعريفات الهائلة سترفع بالضرورة من معدلات التضخم في البر الأمريكي، فإن الإدارة الجديدة، لا تستبعد القيام بذلك، خصوصاً إذا ما فشل أي تفاهم في المستقبل القريب بين الطرفين. لم يحدث التفاهم حتى الآن، لكن ترمب فرض بالفعل الحد الأدنى من التعريفات على السلع الصينية، وأبقى الحد الأقصى (60%) الذي وعد به معلقاً.
اللافت أن الصادرات الصينية للولايات المتحدة تراجعت في 2023 بنسبة 13.1% إلى 500 مليار دولار تقريباً، إلا أنها عادت للارتفاع في العام الماضي، ما يؤكد أن التعريفات الجمركية التي فرضها ترمب في ولايته الأولى على السلع الصينية والتزمت بها إدارة بايدن، لم تؤثر في زخم التصدير سوى في 2023، لأن الأخير نجح في هذا العام فقط في تعزيز سلاسل التوريد محلياً. "الجبهة التجارية" بين واشنطن وبكين، جاهزة لمواجهات يمكن ببساطة أن تقود إلى حرب، بينما تنتظر القوى الأخرى على الساحة العالمية شكل مواجهاتها هي مع الولايات المتحدة، إلا إذا تمكن ترمب حقاً من الوصول إلى تفاهمات ترضي الأطراف المعنية، ويشعر كما يحب أن يردد دائماً بـ"الإنصاف" في الميدان التجاري.